نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 215
و قد شرب الرشيد يوما دواء فسأله ابن أبي مريم أن يلي الحجابة في هذا اليوم، و مهما حصل له كان بينه و بين أمير المؤمنين، فولاه الحجابة، فجاءت الرسل بالهدايا من كل جانب، من عند زبيدة و البرامكة و كبار الأمراء، و كان حاصله في هذا اليوم ستين ألف دينار، فسأله الرشيد في اليوم الثاني عما تحصل فأخبره بذلك، فقال له: فأين نصيبي؟ فقال ابن أبي مريم: قد صالحتك عليه بعشرة آلاف تفاحة.
و قد استدعى إليه أبا معاوية الضرير محمد بن حازم ليسمع منه الحديث قال أبو معاوية: ما ذكرت عنده حديثا إلا قال صلى اللَّه و سلم على سيدي، و إذا سمع فيه موعظة بكى حتى يبل الثرى، و أكلت عنده يوما ثم قمت لأغسل يدي فصب الماء عليّ و أنا لا أراه، ثم قال: يا أبا معاوية أ تدري من يصب عليك الماء؟ قلت: لا. قال: يصب عليك أمير المؤمنين. قال أبو معاوية: فدعوت له، فقال:
إنما أردت تعظيم العلم. و حدثه أبو معاوية يوما عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة بحديث احتجاج آدم و موسى، فقال عم الرشيد: أين التقيا يا أبا معاوية؟ فغضب الرشيد من ذلك غضبا شديدا، و قال: أ تعترض على الحديث؟ عليّ بالنطع و السيف، فأحضر ذلك فقام الناس إليه يشفعون فيه فقال الرشيد: هذه زندقة. ثم أمر بسجنه و أقسم أن لا يخرج حتى يخبرني من ألقى إليه هذا، فأقسم عمه بالأيمان المغلظة ما قال هذا له أحد، و إنما كانت هذه الكلمة بادرة مني و أنا أستغفر اللَّه و أتوب إليه منها. فأطلقه.
و قال بعضهم: دخلت على الرشيد و بين يديه رجل مضروب العنق و السياف يمسح سيفه في قفا الرجل المقتول، فقال الرشيد: قتلته لأنه قال القرآن مخلوق، فقتله على ذلك قربة إلى اللَّه عز و جل.
و قال بعض أهل العلم: يا أمير المؤمنين انظر هؤلاء الذين يحبون أبا بكر و عمر و يقدمونهما فأكرمهم بعز سلطانك، فقال الرشيد: أ و لست كذلك؟ أنا و اللَّه كذلك أحبهما و أحب من يحبهما و أعاقب من يبغضهما. و قال له ابن السماك: إن اللَّه لم يجعل أحدا فوقك فاجتهد أن لا يكون فيهم أحد أطوع إلى اللَّه منك. فقال: لئن كنت أقصرت في الكلام لقد أبلغت في الموعظة.
و قال له الفضيل بن عياض- أو غيره- إن اللَّه لم يجعل أحدا من هؤلاء فوقك في الدنيا، فاجهد نفسك أن لا يكون أحد منهم فوقك في الآخرة، فاكدح لنفسك و أعملها في طاعة ربك. و دخل عليه ابن السماك يوما فاستسقى الرشيد فأتي بقلة فيها ماء مبرد فقال لابن السماك: عظني. فقال: يا أمير المؤمنين! بكم كنت مشتريا هذه الشربة لو منعتها؟ فقال: بنصف ملكي. فقال: اشرب هنيئا، فلما شرب قال: أ رأيت لو منعت خروجها من بدنك بكم كنت تشتري ذلك؟ قال بنصف ملكي الآخر.
فقال: إن ملكا قيمة نصفه شربة ماء، و قيمة نصفه الآخر بولة، لخليق أن لا يتنافس فيه. فبكى هارون.
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 215