نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 207
إسماعيل بن جامع
ابن إسماعيل بن عبد اللَّه بن المطلب بن أبي وداعة [1] أبو القاسم، أحد المشاهير بالغناء، كان ممن يضرب به المثل، و قد كان أولا يحفظ القرآن ثم صار إلى صناعة الغناء و ترك القرآن، و ذكر عنه أبو الفرج بن علي بن الحسين صاحب الأغاني حكايات غريبة، من ذلك أنه قال كنت يوما مشرفا من غرفة [2] بحران إذ أقبلت جارية سوداء معها قربة تستقي الماء، فجلست و وضعت قربتها و اندفعت تغني:
إلى اللَّه أشكو بخلها و سماحتي* * * لها عسل مني و تبذل علقما
فردّي مصاب القلب أنت قتلته* * * و لا تتركيه هائم القلب مغرما [3]
قال: فسمعت ما لا صبر لي عنه و رجوت أن تعيده فقامت و انصرفت، فنزلت و انطلقت وراءها و سألتها أن تعيده فقالت: إن عليّ خراجا كل يوم درهمين، فأعطيتها درهمين فأعادته فحفظته و سلكته يومي ذلك، فلما أصبحت أنسيته فأقبلت السوداء فسألتها أن تعيده فلم تفعل إلا بدرهمين، ثم قالت:
كأنك تستكثر أربعة دراهم، كأني بك و قد أخذت عليه أربعة آلاف دينار. قال فغنيته ليلة للرشيد فأعطاني ألف دينار، ثم استعادنيه ثلاث مرات أخرى و أعطاني ثلاثة آلاف دينار، فتبسمت فقال: مم تبسمت؟ فذكرت له القصة فضحك و ألقى إليّ كيسا آخر فيه ألف دينار. و قال: لا أكذب السوداء.
و حكى عنه أيضا قال: أصبحت يوما بالمدينة و ليس معي إلا ثلاثة دراهم، فإذا جارية على رقبتها جرة تريد الركي [4] و هي تسعى و تترنم بصوت شجي:
شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا* * * فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا
و ذاك لأن النوم يغشى عيونهم* * * سريعا و لا يغشى [5] لنا النوم أعينا
إذا ما دنا الليل المضر بذي الهوى* * * جزعنا و هم يستبشرون إذا دنا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما* * * نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
قال: فاستعدته منها و أعطيتها الدراهم الثلاثة فقالت: لتأخذن بدلها ألف دينار، و ألف دينار و ألف دينار. فأعطاني الرشيد ثلاثة آلاف دينار في ليلة على ذلك الصوت. و فيها توفي:
بكر بن النطاح
أبو وائل الحنفي البصري الشاعر المشهور، نزل بغداد زمن الرشيد، و كان يخالط أبا العتاهية.
قال أبو عفان: أشعر أهل العدل من المحدثين أربعة، أو لهم بكر بن النطاح. و قال المبرد: سمعت الحسن بن رجاء يقول اجتمع جماعة من الشعراء و معهم بكر بن النطاح يتناشدون، فلما فرغوا من
[1] اسم أبي وداعة: الحارث أسر يوم بدر و فداه ابنه المطلب بأربعة آلاف درهم. و هو أول أسير فدي يوم بدر.
[2] في الأغاني 6/ 335: مشرعة. و المشرعة مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها و يستقون. و تسمي العرب المشرعة إذا كان الماء فيها لا انقطاع له كماء الأنهار.