نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 205
و ردها عليّ، فقلت: أشهدك أنها حرة و أني قد تزوجتها، و قلت: جارية قد أفادتني خمسين ألف دينار لا أفرط فيها بعد اليوم.
و ذكر الخطيب أن الرشيد طلب من منصور بن زياد عشرة آلاف ألف درهم، و لم يكن عنده منها سوى ألف ألف درهم، فضاق ذرعا، و قد توعده بالقتل و خراب الديار إن لم يحملها في يومه ذلك، فدخل على يحيى بن خالد و ذكر أمره فأطلق له خمسة آلاف ألف، و استطلق له من ابنه الفضل ألفي ألف، و قال لابنه: يا بني بلغني أنك تريد أن تشتري بها ضيعة. و هذه ضيعة تغل الشكر و تبقى مدى الدهر. و أخذ له من ابنه جعفر ألف ألف، و من جاريته دنانير عقدا اشتراه بمائة ألف دينار، و عشرون ألف دينار، و قال للمترسم عليه: قد حسبناه عليك بألفي ألف. فلما عرضت الأموال على الرشيد رد العقد، و كان قد وهبه لجارية يحيى، فلم يعد فيه بعد إذ وهبه. و قال له بعض بنيه و هم في السجن و القيود: يا أبت بعد الأمر و النهي و النعمة صرنا إلى هذا الحال، فقل: يا بني دعوة مظلوم سرت بليل و نحن عنها غافلون و لم يغفل اللَّه عنها. ثم أنشأ يقول:
ربّ قوم قد غدوا في نعمة* * * زمنا و الدهر ريان غدق
سكت الدهر زمانا عنهم* * * ثم أبكاهم دما حين نطق
و قد كان يحيى بن خالد هذا يجري على سفيان بن عيينة كل شهر ألف درهم، و كان سفيان يدعو له في سجوده يقول: اللَّهمّ إنه قد كفاني المؤنة و فرغني للعبادة فاكفه أمر آخرته. فلما مات يحيى رآه بعض أصحابه في المنام فقال: ما فعل اللَّه بك؟ قال: غفر لي بدعاء سفيان.
و قد كان وفاة يحيى بن خالد (رحمه اللَّه) في الحبس في الرافقة لثلاث خلون من المحرم من هذه السنة عن سبعين سنة، و صلى عليه ابنه الفضل، و دفن على شط الفرات، و قد وجد في جيبه رقعة مكتوب فيها بخطه: قد تقدم الخصم و المدعى عليه بالأثر، و الحاكم الحكم العدل الّذي لا يجوز و لا يحتاج إلى بينة. فحملت إلى الرشيد فلما قرأها بكى يومه ذلك، و بقي أياما يتبين الأسى في وجهه. و قد قال بعض الشعراء في يحيى بن خالد:
سألت الندا هل أنت حر فقال لا* * * و لكنني عبد ليحيى بن خالد
فقلت شراء قال لا بل وراثة* * * توارث رقي والد بعد والد [1]
ثم دخلت سنة إحدى و تسعين و مائة
فيها خرج رجل بسواد العراق يقال له ثروان بن سيف، و جعل يتنقل فيها من بلد إلى بلد، فوجه إليه الرشيد طوق بن مالك فهزمه و جرح ثروان و قتل عامة أصحابه، و كتب بالفتح إلى الرشيد.
و فيها خرج بالشام أبو النداء فوجه إليه الرشيد يحيى بن معاذ و استنابه على الشام. و فيها وقع الثلج ببغداد. و فيها غزا بلاد الروم يزيد بن مخلد الهبيري في عشرة آلاف، فأخذت عليه الروم المضيق فقتلوه في خمسين من أصحابه على مرحلتين من طرسوس، و انهزم الباقون، و ولى الرشيد غزو الصائفة لهرثمة بن أعين، و ضم إليه ثلاثين ألفا فيهم مسرور الخادم، و إليه النفقات.
و خرج الرشيد إلى الحدث ليكون قريبا منهم. و أمر الرشيد بهدم الكنائس و الديور، و ألزم أهل الذمة بتمييز لباسهم و هيئاتهم في بغداد و غيرها من البلاد. و فيها عزل الرشيد علي بن موسى عن إمرة خراسان و ولاها هرثمة بن أعين. و فيها فتح الرشيد هرقلة في شوال و خرّبها و سبى أهلها و بث الجيوش و السرايا بأرض الروم إلى عين زربة، و الكنيسة السوداء. و كان دخل هرقلة في كل يوم مائة ألف و خمسة و ثلاثين ألف مرتزق، و ولى حميد بن معيوف سواحل الشام إلى مصر، و دخل جزيرة قبرص فسبى أهلها و حملهم حتى باعهم بالرافقة، فبلغ ثمن الأسقف ألفي دينار، باعهم أبو البختري القاضي.
[1] ذكرهما صاحب شذرات الذهب و نسبهما لكلثوم العتابي باختلاف: 1/ 327:
سألت الندى و الجود حران أنتما؟* * * فقالا: كلانا عبد يحيى بن خالد
فقلت: شراء ذلك الملك قال لا* * * و لكن ارثا والدا بعد والد
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 205