نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 203
فمات بنواحيها هو و محمد بن الحسن في يوم واحد، و كان الرشيد يقول: دفنت الفقه و العربية بالري.
قال ابن خلكان: و قيل إن الكسائي توفي بطوس سنة ثنتين و ثمانين و مائة، و قد رأى بعضهم الكسائي في المنام و وجهه كالبدر فقال: ما فعل بك ربك؟ فقال: غفر لي بالقرآن. فقلت: ما فعل حمزة؟ قال:
ذاك في عليين، ما نراه إلا كما نرى الكوكب. و فيها توفي:
محمد بن الحسن بن زفر
أبو عبد اللَّه الشيبانيّ مولاهم، صاحب أبي حنيفة. أصله من قرية [1] من قرى دمشق، قدم أبوه العراق فولد بواسط سنة ثنتين و ثلاثين و مائة، و نشأ بالكوفة فسمع من أبي حنيفة و مسعر و الثوري و عمر بن ذر و مالك بن مغول، و كتب عن مالك بن أنس و الأوزاعي و أبي يوسف، و سكن بغداد و حدث بها، و كتب عنه الشافعيّ حين قدمها في سنة أربع و ثمانين و مائة، و ولاه الرشيد قضاء الرقة ثم عزله. و كان يقول لأهله: لا تسألوني حاجة من حاجات الدنيا فتشغلوا قلبي. و خذوا ما شئتم من مالي فإنه أقل لهمي و أفرغ لقلبي. و قال الشافعيّ: ما رأيت حبرا سمينا مثله، و لا رأيت أخف روحا منه، و لا أفصح منه. كنت إذا سمعته يقرأ القرآن كأنما ينزل القرآن بلغته. و قال أيضا: ما رأيت أعقل منه، كان يملأ العين و القلب، قال الطحاوي: كان الشافعيّ قد طلب من محمد بن الحسن كتاب السير فلم يجبه إلى الإعارة فكتب إليه:
قل للذي لم تر عيناي مثله* * * حتى كأن من رآه قد رأى من قبله
العلم ينهى أهله أن يمنعوه أهله* * * لعله ببذله لأهله لعله
قال: فوجه به إليه في الحال هدية لا عارية. و قال إبراهيم الحربي: قيل لأحمد بن حنبل: هذه المسائل الدقاق من أين هي لك؟ قال: من كتب محمد بن الحسن (رحمه اللَّه). و قد تقدم أنه مات هو و الكسائي في يوم واحد من هذه السنة. فقال الرشيد: دفنت اليوم اللغة و الفقه جميعا. و كان عمره ثمانية و خمسين سنة.
ثم دخلت سنة تسعين و مائة من الهجرة
فيها خلع رافع بن ليث بن نصر بن سيار نائب سمرقند الطاعة و دعا إلى نفسه [2]، و تابعه أهل بلده و طائفة كثيرة من تلك الناحية، و استفحل أمره، فسار إليه نائب خراسان علي بن عيسى فهزمه رافع و تفاقم الأمر به. و فيها سار الرشيد لغزو بلاد الروم لعشر بقين من رجب، و قد لبس على رأسه قلنسوة فقال فيها أبو المعلى الكلابي:
فمن يطلب لقاءك أو يرده* * * فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمر* * * و في أرض الترفه فوق كور
و ما حاز الثغور سواك خلق* * * من المتخلفين على الأمور
فسار حتى وصل إلى الطوانة فعسكر بها و بعث إليه نقفور بالطاعة و حمل الخراج و الجزية حتى عن رأس ولده و رأسه، و أهل مملكته، في كل سنة خمسة عشر ألف دينار، و بعث يطلب من الرشيد جارية قد أسروها و كانت ابنة ملك هرقلة [3]، و كان قد خطبها على ولده، فبعث بها الرشيد مع هدايا و تحف و طيب بعث يطلبه من الرشيد، و اشترط عليه الرشيد أن يحمل في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، و أن لا يعمر هرقلة. ثم انصرف الرشيد راجعا و استناب على الغزو عقبة بن جعفر و نقض أهل قبرص العهد فغزاهم معيوف بن يحيى، فسبى أهلها و قتل منهم خلقا كثيرا. و خرج رجل من عبد القيس فبعث إليه الرشيد من قتله. و حج بالناس فيها عيسى بن موسى الهادي.