نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 192
المؤمنين لا أشتهي ذلك إلا معك. فقال: لا! انصرف إلى منزلك. فانصرف عنه جعفر فما هو إلا أن ذهب الليل بعضه حتى أوقع به من البأس و النكال ما تقدم ذكره. و كان ذلك ليلة السبت آخر ليلة من المحرم، و قيل إنها أول ليلة من صفر في هذه السنة، و كان عمر جعفر إذ ذاك سبعا و ثلاثين سنة، و لما جاء الخبر إلى أبيه يحيى بن خالد بقتله قال: قتل اللَّه ابنه. و لما قيل له: قد خربت دارك قال:
حرب اللَّه دوره. و يقال: إن يحيى لما نظر إلى دوره و قد هتكت ستورها و استبيحت قصورها، و انتهب ما فيها. قال: هكذا تقوم الساعة. و قد كتب إليه بعض أصحابه يعزيه فيما جرى له، فكتب إليه جواب التعزية: أنا بقضاء اللَّه راض، و باختياره عالم، و لا يؤاخذ اللَّه العباد إلا بذنوبهم، و ما اللَّه بظلام للعبيد. و ما يغفر اللَّه أكثر و للَّه الحمد. و قد أكثر الشعراء من المراثي في البرامكة فمن ذلك قول الرقاشيّ، و قيل إنها لأبي نواس [1]:
الآن استرحنا و استراحت ركابنا* * * و أمسك من يحدي و من كان يحتدي [2]
فقل للمطايا قد أمنت من السّرى* * * و طيّ الفيافي فدفدا بعد فدفد
و قل للمنايا قد ظفرت بجعفر* * * و لن تظفري من بعده بمسوّد
و قل للمطايا بعد فضل: تعطلي* * * و قل للرزايا كل يوم تجددي
و قال الرقاشيّ [3]، و قد نظر إلى جعفر و هو على جذعه:
أما و اللَّه لو لا خوف واش* * * و عين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك و استلمنا* * * كما للناس بالحجر استلام
فما أبصرت قبلك [4] يا بن يحيى* * * حساما فلّه السيف الحسام
على اللذات و الدنيا جميعا [5]* * * و دولة آل برمك السلام
قال فاستدعاه الرشيد فقال له: كم كان يعطيك جعفر كل عام؟ قال: ألف دينار. قال:
فأمر له بألفي دينار. و قال الزبير بن بكار عن عمه مصعب الزبيري قال: لما قتل الرشيد جعفرا وقفت امرأة على حمار فاره فقالت بلسان فصيح: و اللَّه يا جعفر لئن صرت اليوم آية لقد كنت في المكارم غاية، ثم أنشأت تقول [6]:
و لما رأيت السيف خالط [7] جعفرا* * * و نادى مناد للخليفة في يحيى
بكيت على الدنيا و أيقنت أنما* * * قصارى الفتى يوما مفارقة الدنيا