نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 188
بل اختطفته المنون و الأقدار عن بلوغ الأمل و الأوطار. و لما قضى الرشيد حجه أحضر من معه من الأمراء و الوزراء، و أحضر وليي العهد محمدا الأمين و عبد اللَّه المأمون. و كتب بمضمون ذلك صحيفة، و كتب فيها الأمراء و الوزراء خطوطهم بالشهادة على ذلك [1]، و أراد الرشيد أن يعلقها في الكعبة فسقطت فقيل: هذا أمر سريع انتقاضه. و كذا وقع كما سيأتي. و قال إبراهيم الموصلي في عقد هذه البيعة في الكعبة:
خير الأمور مغبة* * * و أحق أمر بالتمام
أمر قضى أحكامه الر* * * حمن في البلد الحرام
و قد أطال القول في هذا المقام أبو جعفر بن جرير و تبعه ابن الجوزي في المنتظم.
و فيها توفي من الأعيان
أصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أبو ريان في رمضان منها. و حسان بن إبراهيم قاضي كرمان عن مائة سنة.
و سلم الخاسر الشاعر
و هو سلم، بن عمرو بن حماد بن عطاء، و إنما قيل له الخاسر لأنه باع مصحفا و اشترى به ديوان شعر لامرئ القيس، و قيل لأنه أنفق مائتي ألف في صناعة الأدب [2]. و قد كان شاعرا منطقيا له قدرة على الإنشاء على حرف واحد، كما قال في موسى الهادي:
موسى المطر* * * غيث بكر
ثمّ انهمر* * * كم اعتبر
ثم فتر* * * و كم قدر
ثم غفر* * * عدل السير
باقي الأثر* * * خير البشر
فرع مضر* * * بدر بدر
لمن نظر* * * هو الوزر
لمن حضر* * * و المفتخر
لمن غبر
و ذكر الخطيب أنه كان على طريقة غير مرضية من المجون و الفسق، و أنه كان من تلاميذ بشار ابن برد، و أن نظمه أحسن من نظم بشار، فمما غلب فيه بشارا قوله:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته* * * و فاز بالطيبات الفاتك اللهج
فقال سلم:
من راقب الناس مات غما* * * و فاز باللذة الجسور
فغضب بشار و قال: أخذ معاني كلامي فكساها ألفاظا أخف من ألفاظي. و قد حصل له من الخلفاء و البرامكة نحوا من أربعين ألف دينار، و قيل أكثر من ذلك. و لما مات ترك ستة و ثلاثين ألف دينار وديعة عند أبي الشمر [3] الغساني، فغنى إبراهيم الموصلي يوما الرشيد فأطربه فقال له: سل.
فقال: يا أمير المؤمنين أسألك شيئا ليس فيه من مالك شيء، و لا أرزأوك شيئا سواه. قال: و ما هو؟
فذكر له وديعة سلم الخاسر، و أنه لم يترك وارثا. فأمر له بها [4]. و يقال إنها كانت خمسين ألف دينار.