نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 161
ثم إن هارون أمر يحيى بن خالد أن لا يقطع أمرا إلا بمشاورة والدته الخيزران. فكانت هي المشاورة في الأمور كلها، فتبرم و تحل و تمضى و تحكم.
و فيها أمر الرشيد بسهم ذوى القربى أن يقسم بين بنى هاشم على السواء. و فيها تتبع الرشيد خلقا من الزنادقة فقتل منهم طائفة كثيرة. و فيها خرج عليه بعض أهل البيت. و فيها ولد الأمين محمد بن الرشيد ابن زبيدة. و ذلك يوم الجمعة لست عشرة ليلة خلت من شوال من هذه السنة. و فيها كمل بناء مدينة طرسوس على يدي فرج الخادم التركي و نزلها الناس. و فيها حج بالناس أمير المؤمنين الرشيد، و أعطى أهل الحرمين أموالا كثيرة، و يقال إنه غزا في هذه السنة أيضا. و في ذلك يقول داود بن رزين الشاعر:-
بهارون لاح النور في كل بلدة* * * و قام به في عدل سيرته النهج
إمام بذات اللَّه أصبح شغله* * * و أكثر ما يعنى به الغزو و الحج
تضيق عيون الناس عن نور وجهه* * * إذا ما بدا للناس منظره البلج
و إن أمين اللَّه هارون ذا الندا* * * ينيل الّذي يرجوه أضعاف ما يرجو
و غزا الصائفة فيها سليمان بن عبد اللَّه البكائي.
ذكر من توفى فيها من الأعيان
الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم أبو عبد الرحمن الفراهيدى، و يقال الفرهودى الأزدي، شيخ النحاة، و عنه أخذ سيبويه و النضر بن شميل، و غير واحد من أكابرهم، و هو الّذي اخترع علم العروض. قسمه إلى خمس دوائر و فرعه إلى خمسة عشر بحرا، و زاد الأخفش فيه بحرا آخر و هو الخبب، و قد قال بعض الشعراء:-
قد كان شعر الورى صحيحا* * * من قبل أن يخلق الخليل
و قد كان له معرفة بعلم النغم، و له فيه تصنيف أيضا، و له كتاب العين في اللغة، ابتدأه و أكمله النضر بن شميل و أضرابه من أصحاب الخليل، كمؤرج السدوسي، و نصر بن على الجهضمي. فلم يناسبوا ما وضعه الخليل. و قد وضع ابن درستويه كتابا وصف فيه ما وقع لهم من الخلل فأفاد. و قد كان الخليل رجلا صالحا عاقلا وقورا كاملا، و كان متقللا من الدنيا جدا، صبورا على خشونة العيش و ضيقه، و كان يقول: لا يجاوز همي ما وراء بابي، و كان ظريفا حسن الخلق، و ذكر أنه اشتغل رجل عليه في العروض و كان بعيد الذهن فيه، قال فقلت له يوما: كيف تقطع هذا البيت؟
إذا لم تستطع شيئا فدعه* * * و جاوزه إلى ما تستطيع
فشرع معى في تقطيعه على قدر معرفته، ثم إنه نهض من عندي فلم يعد إلى، و كأنه فهم ما أشرت
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 161