responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 10  صفحه : 127

للسلطان و دعامة للدين و الدنيا و عزّهما ما بتّ ليلة واحدة و أنا أحرز منه دينارا و لا درهما لما أجد لبذل المال من اللذة، و لما أعلم في إعطائه من جزيل المثوبة. و قرأ عنده قارئ آخر وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‌ عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ الآية. فقال: ما أحسن ما أدبنا ربنا عز و جل. و قال المنصور: سمعت أبى يقول سمعت على بن عبد اللَّه يقول: سادة أهل الدنيا في الدنيا الأسخياء، و سادة أهل الآخرة في الآخرة الأتقياء.

و لما عزم المنصور على الحج في هذه السنة دعا ولده المهدي فأوصاه في خاصة نفسه و بأهل بيته و بسائر المسلمين خيرا، و علمه كيف تفعل الأشياء و تسد الثغور، و أوصاه بوصايا يطول بسطها و حرج عليه أن لا يفتح شيئا من خزائن المسلمين حتى يتحقق وفاته فان بها من الأموال ما يكفى المسلمين لو لم يجب إليهم من الخراج درهم عشر سنين، و عهد إليه أن يقضى ما عليه من الدين و هو ثلاثمائة ألف دينار، فإنه لم ير قضاءها من بيت المال. فامتثل المهدي ذلك كله. و أحرم المنصور بحج و عمرة من الرصافة و ساق بدنه و قال: يا بنى إني ولدت في ذي الحجة و قد وقع لي أن أموت في ذي الحجة، و هذا الّذي جرأنى على الحج عامي هذا. و ودعه و سار و اعتراه مرض الموت في أثناء الطريق فما دخل مكة إلا و هو ثقيل جدا، فلما كان بآخر منزل نزله دون مكة إذا في صدر منزله مكتوب:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌.

أبا جعفر حانت وفاتك و انقضت‌* * * سنوك و أمر اللَّه لا بد واقع‌

أبا جعفر هل كاهن أو منجم‌* * * لك اليوم من كرب المنية مانع‌

فدعا بالحجبة فأقرأهم ذلك فلم يروا شيئا فعرف أن أجله قد نعى إليه. قالوا: و رأى المنصور في منامه و يقال بل هتف به هاتف و هو يقول:-

أما و رب السكون و الحرك‌* * * إن المنايا كثيرة الشرك‌

عليك يا نفس إن أسأت و إن‌* * * أحسنت يا نفس كان ذاك لك‌

ما اختلف الليل و النهار و لا* * * دارت نجوم السماء في الفلك‌

إلا بنقل السلطان عن ملك‌* * * إذا انقضى ملكه إلى ملك‌

حتى يصير إنه إلى ملك‌* * * ما عزّ سلطانه بمشترك‌

ذاك بديع السماء و الأرض و المرسي‌* * * الجبال المسخر الفلك‌

فقال المنصور: هذا أوان حضور أجلى و انقضاء عمري. و كان قد رأى قبل ذلك في قصره الخلد الّذي بناه و تأنق فيه مناما أفزعه فقال للربيع: ويحك يا ربيع! لقد رأيت مناما هالني، رأيت قائلا وقف في باب هذا القصر و هو يقول:

نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي    جلد : 10  صفحه : 127
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست