نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 126
قال فاستحيى منه المنصور و أطلقه. فما رأى له وجها إلى الحول [و قال لابنه لما ولاه العهد: يا بنى ائتدم النعمة بالشكر، و القدرة بالعفو، و النصر بالتواضع، و التألف بالطاعة، و لا تنس نصيبك من الدنيا و نصيبك من رحمة اللَّه] [1] و قال أيضا: يا بنى ليس العاقل من يحتال للأمر الّذي وقع فيه حتى يخرج منه، و لكن العاقل الّذي يحتال للأمر الّذي غشيه حتى لا يقع فيه. و قال المنصور: يا بنى لا تجلس مجلسا إلا و عندك من أهل الحديث من يحدثك، فان الزهري قال: علم الحديث ذكر لا يحبه إلا ذكران الرجال، و لا يكرهه إلا مؤنثوهم، و صدق أخو زهرة. و قد كان المنصور في شبيبته يطلب العلم من مظانه و الحديث و الفقه فنال جانبا جيدا و طرفا صالحا، و قد قيل له يوما: يا أمير المؤمنين هل بقي شيء من اللذات لم تنله؟
قال: شيء واحد، قالوا: و ما هو؟ قال: قول المحدث للشيخ من ذكرت رحمك اللَّه. فاجتمع وزراؤه و كتابه و جلسوا حوله و قالوا: ليمل علينا أمير المؤمنين شيئا من الحديث، فقال: لستم بهم، إنما هو الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم، رواد الآفاق و قطاع المسافات، تارة بالعراق و تارة بالحجاز، و تارة بالشام، و تارة باليمن. فهؤلاء نقلة الحديث.
و قال يوما لابنه المهدي: كم عندك من دابة؟ فقال لا أدرى. فقال: هذا هو التقصير، فأنت لأمر الخلافة أشد تضييعا فاتق اللَّه يا بنى. و قالت خالصة إحدى حظيات المهدي: دخلت يوما على المنصور و هو يشتكي ضرسه و يداه على صدغيه فقال لي: كم عندك من المال يا خالصة؟ فقلت ألف درهم. فقال: ضعى يدك على رأسي و احلفى، فقلت: عندي عشرة آلاف دينار. قال: اذهبي فاحمليها إلى قالت: فذهبت حتى دخلت على سيدي المهدي و هو مع زوجته الخيزران فشكوت ذلك إليه فوكزني برجله و قال: ويحك! إنه ليس به وجع و لكنى سألته بالأمس مالا فتمارض، و إنه لا يسعك إلا ما أمرك به. فذهبت إليه خالصة و معها عشرة آلاف دينار، فاستدعى بالمهديّ فقال له: تشكو الحاجة و هذا كله عند خالصة؟ و قال المنصور لخازنة: إذا علمت بمجيء المهدي فائتنى بخلقان الثياب قبل أن يجيء، فجاء بها فوضعها بين يديه و دخل المهدي و المنصور يقلبها، فجعل المهدي يضحك، فقال: يا بنى من ليس له خلق ليس له جديد، و قد حضر الشتاء فنحتاج نعين العيال و الولد. فقال المهدي: عليّ كسوة أمير المؤمنين و عياله، فقال: دونك فافعل.
و ذكر ابن جرير عن الهيثم أن المنصور أطلق في يوم واحد لبعض أعمامه ألف ألف درهم. و في هذا اليوم فرق في بيته عشرة آلاف درهم، و لا يعلم خليفة فرق مثل هذا في يوم واحد. و قرأ بعض القراء عند المنصور الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ فقال: و اللَّه لو لا أن المال حصن