نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 124
[يوم لا ليلة بعده. قال: فأفحم المنصور قوله و أمر له بمال فقال: لو احتجت إلى مالك لما وعظتك] [1] و دخل عمرو بن عبيد القدري على المنصور فأكرمه و عظمه و قربه و سأله عن أهله و عياله، ثم قال له:
عظني. فقرأ عليه سورة الفجر إلى إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ فبكى المنصور بكاء شديدا حتى كأنه لم يسمع بهذه الآيات قبل ذلك، ثم قال له: زدني. فقال: إن اللَّه قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك ببعضها، و إن هذا الأمر كان لمن قبلك ثم صار إليك ثم هو صائر لمن بعدك، و اذكر ليلة تسفر عن يوم القيامة. فبكى المنصور أشد من بكائه الأول حتى اختلفت أجفانه. فقال له سليمان بن مجالد:
رفقا بأمير المؤمنين. فقال عمرو: و ما ذا على أمير المؤمنين أن يبكى من خشية اللَّه عز و جل. ثم أمر له المنصور بعشرة آلاف درهم فقال: لا حاجة لي فيها. فقال المنصور: و اللَّه لتأخذنها. فقال: و اللَّه لا آخذنها. فقال له المهدي و هو جالس في سواده و سيفه إلى جانب أبيه: أ يحلف أمير المؤمنين و تحلف أنت؟ فالتفت إلى المنصور فقال: و من هذا؟ فقال: هذا ابني محمد ولى العهد من بعدي.
فقال عمرو: إنك سميته اسما لم يستحقه لعمله، و ألبسته لبوسا ما هو لبوس الأبرار، و لقد مهدت له أمرا أمتع ما يكون به أشغل ما يكون عنه. ثم التفت إلى المهدي فقال: يا ابن أخى! إذا حلف أبوك و حلف عمك فلأن يحنث أبوك أيسر من أن يحنث عمك، لأن أباك أقدر على الكفارة من عمك. ثم قال المنصور: يا أبا عثمان هل من حاجة؟ قال: نعم! قال: و ما هي؟ قال: لا تبعث إلى حتى آتيك. و لا تعطني حتى أسألك. فقال المنصور: إذا و اللَّه لا نلتقي. فقال عمرو: عن حاجتي سألتني. فودعه و انصرف. فلما ولى أمده بصره و هو يقول:
كلكم يمشى رويد* * * كلكم يطلب صيد
غير عمرو بن عبيد
و يقال إن عمرو بن عبيد أنشد المنصور قصيدة في موعظته إياه و هي قوله:
يا أيهذا الّذي قد غره الأمل* * * و دون ما يأمل التنغيص و الأجل
ألا ترى أنما الدنيا و زينتها* * * كمنزل الركب حلوا نمت ارتحلوا
حتوفها رصد و عيشها نكد* * * وصفوها كدر و ملكها دول
تظل تقرع بالروعات ساكنها* * * فما يسوغ له لين و لا جذل
كأنه للمنايا و الردى غرض* * * تظل فيه بنات الدهر تنتقل
تديره ما تدور به دوائرها* * * منها المصيب و منها المخطئ الزلل
و النفس هاربة و الموت يطلبها* * * و كل عسرة رجل عندها جلل
و المرء يسعى بما يسعى لوارثه* * * و القبر وارث ما يسعى له الرجل