نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 116
و كان يعاني الرسائل و الكتابة، و قد اكتتب مرة في بعث إلى اليمامة فسمع الحديث من يحيى بن أبى كثير و انقطع إليه فأرشده إلى الرحلة إلى البصرة ليسمع من الحسن و ابن سيرين. فسار إليها فوجد الحسن قد توفى من شهرين و وجد ابن سيرين مريضا، فجعل يتردد لعيادته، فقوى المرض به و مات و لم يسمع منه الأوزاعي شيئا. ثم جاء فنزل دمشق بمحلة الأوزاع خارج باب الفراديس، و ساد أهلها في زمانه و سائر البلاد في الفقه و الحديث و المغازي و غير ذلك من علوم الإسلام. و قد أدرك خلقا من التابعين و غيرهم، و حدث عنه جماعات من سادات المسلمين، كمالك بن أنس و الثوري و الزهري، و هو من شيوخه. و أثنى عليه غير واحد من الأئمة، و أجمع المسلمون على عدالته و إمامته.
قال مالك: كان الأوزاعي إماما يقتدى به. و قال سفيان بن عيينة و غيره: كان الأوزاعي إمام أهل زمانه، و قد حج مرة فدخل مكة و سفيان الثوري آخذ بزمام جملة، و مالك بن أنس يسوق به، و الثوري يقول: افسحوا للشيخ حتى أجلساه عند الكعبة، و جلسا بين يديه يأخذان عنه. و قد تذاكر مالك و الأوزاعي مرة بالمدينة من الظهر حتى صليا العصر، و من العصر حتى صليا المغرب، فغمره الأوزاعي في المغازي، و غمره مالك في الفقه. أو في شيء من الفقه. و تناظر الأوزاعي و الثوري في مسجد الخيف في مسألة رفع اليدين في الركوع و الرفع منه، فاحتج الأوزاعي على الرفع في ذلك بما رواه عن الزهري عن سالم عن أبيه «أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلم) كان يرفع يديه في الركوع و الرفع منه». و احتج الثوري على ذلك بحديث يزيد بن أبى زياد [1] فغضب الأوزاعي و قال:
تعارض حديث الزهري بحديث يزيد بن أبى زياد و هو رجل ضعيف؟ فاحمار وجه الثوري، فقال الأوزاعي: لعلك كرهت ما قلت؟ قال: نعم. قال: فقم بنا حتى نلتعن عند الركن أينا على الحق.
فسكت الثوري. و قال هقل بن زياد: أفتى الأوزاعي في سبعين ألف مسألة بحدثنا. و أخبرنا. و قال أبو زرعة: روى عنه ستون ألف مسألة. و قال غيرهما: أفتى في سنة ثلاث عشرة و مائة و عمره إذ ذاك خمس و عشرون سنة، ثم لم يزل يفتى حتى مات و عقله زاك. و قال يحيى القطان عن مالك:
اجتمع عندي الأوزاعي و الثوري و أبو حنيفة فقلت: أيهم أرجح؟ قال: الأوزاعي. و قال محمد بن عجلان: لم أر أحدا أنصح للمسلمين من الأوزاعي. و قال غيره: ما رئي الأوزاعي ضاحكا مقهقها قط، و لقد كان يعظ الناس فلا يبقى أحد في مجلسه إلا بكى بعينه أو بقلبه، و ما رأيناه يبكى في مجلسه قط و كان إذا خلى بكى حتى يرحم. و قال يحيى بن معين: العلماء أربعة: الثوري، و أبو حنيفة، و مالك، و الأوزاعي. قال أبو حاتم: كان ثقة متبعا لما سمع. قالوا: و كان الأوزاعي لا يلحن في كلامه، و كانت كتبه ترد على المنصور فينظر فيها و يتأملها و يتعجب من فصاحتها و حلاوة عبارتها.
[1] بياض بجميع الأصول. و المراد أنه احتج بهذا الحديث على عدم الرفع.
نام کتاب : البداية و النهاية نویسنده : ابن كثير الدمشقي جلد : 10 صفحه : 116