فلمّا تلا الصاحب على الحاضرين محكم آياتها ، وجلا منها العروس التي حازت من المحاسن أبعد غاياتها ، أخذ الناس في الاستحسان لغريب نظامها ، وتناسق التئامها ، والثناء على الخاطر الذي نظم بديع أبياتها ، وأطلع من مشرق فكره آياتها ، فقال السلطان : نريد من يجيبه عنّا بأبيات على قافيتها ، فالتفت مسرعا إليّ وأنا عن يمينه ، وقال : يا مولانا ، مملوكك فلان هو فارس هذا الميدان ، والمعتاد للتخلّص من مضايق هذا الشان ، ثم قطع وصلا من درج كان بين يديه ، وألقاه إليّ ، وعمد إلى دواته فأدارها بين يديّ ، فقال له السلطان : أهكذا على مثل هذا الحال؟ وفي مثل هذا الوقت؟ فقال : نعم ، أنا قد جرّبته فوجدته متّقد الخاطر ، حاضر الذهن ، سريع إجابة الفكر ، فقال السلطان : وعلى كل حال قم إلى هنا لتنكفّ عنك أبصار الناظرين ، وتنقطع عنك ضوضاء الحاضرين ، وأشار إلى مكان عن يمين البيت الخشب الذي هو بالجلوس فيه منفرد ، فقمت وقد فقدت رجلي انخذالا ، وذهني اختلالا ، لهيبة المجلس في صدري ، وكثرة من حضره من المترقّبين لي ، المنتظرين حلول فاقرة الشماتة بي [١] ، فما هو إلّا أن جلست حتى ثاب إليّ خاطري [٢] ، وانثال الكلام على سرائري [٣] ، فكنت أتوهّم أنّ فكري كالبازي الصّيود لا يرى كلمة إلّا أنشب فيها منسره ، ولا معنى إلّا شكّ فيه ظفره ، فقلت في أسرع وقت : [الكامل]