وقال صاحب المطمح في حقّه : الأديب أبو القاسم محمد بن هانىء ، ذخر خطير ، وروض أدب مطير ، غاص في طلب الغريب حتى أخرج درّه المكنون ، وبهرج بافتنانه فيه كلّ الفنون ، وله نظم تتمنّى الثريا أن تتوّج به وتتقلّد ، ويودّ البدر أن يكتب ما اخترع فيه وولّد ، زهت به الأندلس وتاهت ، وحاسنت ببدائعه الأشمس [٣] وباهت ، فحسد المغرب فيه المشرق ، وغصّ به من بالعراق وشرق ، غير أنه نبت به أكنافها ، وشمخت عليه آنافها ، وبرئت منه ، وزويت الخيرات [٤] فيها عنه ، لأنه سلك مسلك المعرّي ، وتجرّد من التدين وعري ، وأبدى الغلوّ ، وتعدّى الحقّ المجلوّ ، فمجّته الأنفس ، وأزعجته الأندلس ، فخرج على غير اختيار ، وما عرّج على هذه الديار ، إلى أن وصل الزاب واتّصل بجعفر بن الأندلسية ، مأوى تلك الجنسية ، فناهيك من سعد ورد عليه فكرع ، ومن باب ولج فيه وما قرع ، فاسترجع عنده شبابه ، وانتجع وبله وربابه ، وتلقّاه بتأهيل ورحب ، وسقاه صوب تلك السّحب ، فأفرط في مدحه فيه في الغلوّ وزاد ، وفرّغ [٥] عنده تلك المزاد ، ولم يتورّع ، ولا ثناه ذو ورع ، وله بدائع يتحيّر فيها ويحار ، ويخال لرقّتها أنها أسحار ، فإنه اعتمد التهذيب والتحرير ، واتّبع في أغراضه الفرزدق مع جرير ، وأما تشبيهاته فخرق فيها المعتاد ، وما شاء منها اقتاد ، وقد أثبتّ له ما تحنّ له الأسماع ، ولا تتمكّن منه الأطماع ، فمن ذلك قوله : [الطويل]
[٢] في ب : «المها الخواذل» وفي ج : «المها الجوادل».
والخرائد : جمع خريدة وهي البكر التي لم تمسس ، أو الخفرة الطويلة السكوت ، الخافضة الصوت ، والأجراع جمع جرعة ، وهي الرملة الطيبة المنبت لا وعوث فيها ، أو الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل.