وقال في المطمح : إنه من أبدع الناس خطّا ، وأصحهم نقلا وضبطا ، اشتهر بالإقراء ، واقتصر بذلك على الأمراء ، ولم ينحطّ لسواهم ، ومطل الناس بذلك ولواهم ، وكان كثير التحوّل ، عظيم التجوّل ، لا يستقرّ في بلد ، ولا يستظهر على حرمانه بجلد ، فقذفته النوى ، وطردته عن كل ثوى [٢] ، ثم استقرّ آخر عمره بأغماث ، وبها مات ، وكان له شعر بديع يصونه أبدا ، ولا يمدّ به يدا.
أخبرني من دخل عليه بالمريّة فرآه في غاية الإملاق ، وهو في ثياب أخلاق [٣] ، وقد توارى في منزله تواري المذنب ، وقعد عن الناس قعود مجتنب ، فلمّا علم ما هو فيه ، وترفّعه عمّن يجتديه ، عاتبه في ذلك الاعتزال ، وآخذه حتى استنزله بغيض الإنزال [٤] ، وقال له : هلا كتبت إلى المعتصم ، فما في ذلك ما يصم [٥] ، فكتب إليه : إليك أبا يحيى مددت يد المنى ـ البيتين ، انتهى.
وقال الفقيه القاضي الفاضل أبو الفضل بن الأعلم ، حين أقلع وأناب ، وودع ذلك الجناب ، وتزهد وتنسّك ، وتمسّك من طاعة الله بما تمسّك ، وتذكّر يوما يتجرّد من أمله ، وينفرد فيه بعمله: [مجزوء الكامل]