لأحد خدّامه : ما ترى أن ندفع لهذا التاجر عوضا عن هذه الجارية التي وقعت منّا أحسن موقع؟ فقال : تقدّر ما تساوي من الثمن وتدفع له بقدرها ، فقوّمت بخمسمائة دينار ، فقال المنذر للخديم : ما عندك فيما ندفع له؟ فقال : الخمسمائة ، فقال : إن هذا للؤم ، رجل أهدى لنا جارية ، فوقعت منّا موقع استحسان ، نقابله بثمنها ، ولو أنه باعها من يهودي لوجد عنده هذا ، فقال له : إن هؤلاء التجار لؤماء بخلاء ، وأقلّ القليل يقنعهم ، فقال : وإنّا كرماء سمحاء ، فلا يقنعنا القليل لمن نجود عليه ، فادفع له ألف دينار ، واشكره على كونه خصّنا بها ، وأعلمه بأنها وقعت منّا موقع رضا.
وقال له أبوه يوما : إنّ فيك لتيها مفرطا ، فقال له : حقّ لفرع أنت أصله أن يعلو ، فقال له : يا بنيّ ، إن العيون تمجّ التّيّاه [٢] ، والقلوب تنفر عنه [٣] ، فقال : يا أبي ، لي من العزّ والنسب وعلوّ المكان والسلطان ما يجمّل عن ذلك ، وإني لم أر العيون إلّا مقبلة عليّ ، ولا الأسماع إلّا مصغية إليّ ، وإنّ لهذا السلطان رونقا يرنّقه [٤] التبذل ، وعلوا يخفضه الانبساط ، ولا يصونه ويشرفه إلّا التيه والانقباض ، وإنّ هؤلاء الأنذال لهم ميزان يسبرون [٥] به الرجل منّا ، فإن رأوه راجحا عرفوا له قدر رجاحته ، وإن رأوه ناقصا عاملوه بنقصه ، وصيّروا تواضعه صغرا ، وتخضّعه خسّة ، فقال له أبوه : لله أنت! فابق وما رأيت.
وكان له أخ أديب أيضا اسمه المطرف بن عبد الرحمن الأوسط ، ومن شعره : [المجتث]