وصنع له [٤] ابن عبد الغفور رسالة سماها ب «الساجعة» حذا بها حذو أبي العلاء المعري في «الصاهل والساجح» [٥] وبعث بها إليه ، فعرضها عليه ، فأقامت عنده أياما ثم استدعاها منه فصرفها إليه ، وكتب معها : بكر زففتها أعزّك الله تعالى نحوك ، وهززت بمقدمها سناك وسروك ، فلم ألفظها عن شبع ، ولا جهلت ارتفاعها عمّا يجتلى من نوعها ويستمع ، ولكن لما أنسته [٦] من أنسك بانتجاعها ، وحرصك على ارتجاعها ، دفعت في صدر الولوع ، وتركت بينها وبين مجاثمها بتلك الربوع [٧] ، حيث الأدب غضّ ، وماء البلاغة مرفضّ ، فأسعد أعزّك الله بكرتها ، وسلّها عن أفانين معرّتها [٨] ، بما تقطفه من ثمارك ، وتغرفه من بحارك ، وترتاح له ولإخوانه من نتائج أفكارك ، وإنها لشنشنة أعرفها فيكم من أخزم ، وموهبة حزتموها وأحرزتم السبق فيها منذ كم. انتهى.
وابن عبد الغفور هو الوزير أبو القاسم الذي قال فيه الفتح [٩] : فتى زكا فرعا وأصلا ، وأحكم البلاغة معنى وفصلا ، وجرّد من ذهنه على الأعراض نصلا ، قدّها به وفراها ، وقدح زند المعالي حتى أوراها ، مع صون يرتديه ، ولا يكاد يبديه ، وشبيبة ألحقته بالكهول ، فأقفرت منه ربعها المأهول ، وشرف ارتداه ، وسلف اقتفى أثره الكريم واقتداه ، وله شعر بديع السّرد ، مفوّف البرد ، وقد أثبتّ له منه ما ألفيت ، وبالدلالة عليه اكتفيت ، فمن ذلك قوله : [الطويل]