مجتمعا ، وإذا فاه أضحى كلّ شيء مستمعا ، تكتحل منه مقل المجد ، وتنتحل المعالي أفعاله انتحال ذي كلف بها ووجد ، لو تفرّقت في الخلق سجاياه لحمدت الشّيم ، ولو استسقيت بمحيّاه لما استمسكت الديم ، ودعي للقضاء فما رضي ، وأعفي عنه فكأنه ما استقضي ، لديه تثبت الحقائق ، وتنبت العلائق ، وبين يديه يسلك عين الجدد [١] ، ويدع اللّدد اللّدد [٢] ، وله أدب إذا حاضر به فلا البحر إذا عصف ، ولا أبو عثمان [٣] إذا وصف ، مع حلاوة مؤانسة تستهوي الجليس ، وتهوي حيث شاءت بالنفوس ، وأمّا تحبيره وإنشاؤه ، ففيهما للسامع تحييره وانتشاؤه ، وقد أثبتّ له بدعا ، يثني إليها الإحسان جيدا وأخدعا ، فمن ذلك قوله في منزل حلّه متنزها : [البسيط]
يا منزل الحسن أهواه وآلفه
حقا لقد جمعت في صحنك البدع
لله ما اصطنعت نعماك عندي في
يوم نعمت به والشمل مجتمع
وحلّ منية صهره الوزير أبي مروان بن الدب بعدوة إشبيلية المطلّة على النهر ، المشتملة على بدائع الزهر ، وهو معرّس ببنته ، فأقام بها أياما متأنّسا ، ولجذوة السرور مقتبسا ، فوالى عليه من التّحف ، وأهدى إليه من الطّرف ، ما غمر كثرة ، وبهر نفاسة وأثرة ، فلمّا ارتحل وقد اكتحل من حسن ذلك الموضع بما اكتحل ، كتب إليه : [البسيط]