أحد أمجادهم ، ومتقلّد نجادهم ، فاقهم [١] أدبا ونبلا ، وباراهم كرما تخاله وبلا [٢] ، إلّا أنه بقي وذهبوا ، ولقي من الأيام ما رهبوا ، فعاين تنكرها ، وشرب عكرها ، وجال في الآفاق ، واستدرّ أخلاف الأرزاق ، وأجال للرّجاء [٣] قداحا متواليات الإخفاق ، فأخمل قدره ، وتوالى عليه جور الزمان وغدره ، فاندفنت [٤] آثاره ، وعفت أخباره ، وقد أثبتّ له بعض ما قاله وحاله قد أدبرت ، والخطوب إليه قد انبرت ، أخبرني الوزير الحكيم أبو محمد المصري وهو الذي آواه ، وعنده استقرّت نواه ، وعليه كان قادما ، وله كان منادما ، أنه رغب إليه في أحد الأيام أن يكون من جملة ندمائه ، وأن لا يحجب عنه وتكون منّة من أعظم نعمائه ، فأجابه بالإسعاف ، واستساغ منه ما كان يعاف ، لعلمه بعلته [٥] ، وإفراط خلّته ، فلما كان ظهر ذلك اليوم كتب [٦] إليه : [الكامل]
أنا قد أهبت بكم وكلّكم هوى
وأحقّكم بالشكر منّي السابق
فالشمس أنت وقد أظلّ طلوعها
فاطلع وبين يديك فجر صادق
وقال الوزير أبو عامر بن مسلمة : [الكامل]
حجّ الحجيج مني ففازوا بالمنى
وتفرّقت عن خيفه الأشهاد
ولنا بوجهك حجّة مبرورة
في كلّ يوم تنقضي وتعاد
وقال الفتح في حقّه ما صورته : نبتة [٧] شرف باذخ ، ومفخر على ذوائب الجوزاء شامخ ، وزروا للخلفاء ، فانتجعتهم الأدباء واتّبعتهم العظماء ، وانتسبت لهم النعماء ، وتنفست عن نور بهجتهم الظّلماء ، وأبو عامر هذا هو جوهرهم المنتخل ، وجوادهم الذي لا يبخل [٨] ، وزعيمهم المعظّم ، وسلك مفخرهم المنظّم ، وكان فتى المدام ، ومستفتي النّدام ، وأكثر من النعت للراح والوصف ، وآثر [٩] الأفراح والقصف ، وأرى قينات السرور مجلوّة ، وآيات الحسن متلوّة ، وله كتاب سماه «حديقة الارتياح ، في وصف حقيقة الراح» ، واختصّ بالمعتضد اختصاصا جرّعه رداه ، وصرعه في مداه [١٠] ، فقد كان في المعتضد من عدم تحفّظه للأرواح ، وتهاونه باللّوّام في ذلك واللّواح [١١] ، فاطمأن إليه أبو عامر واغترّ ، وأنس إلى ما بسم له من مؤانسته وافترّ ، حتى أمكنته في اغتياله فرصة ، لم يعلق بها حصّة ، ولم يضيق [١٢] عليه إلّا أنه زلّت به قدمه فسقط