وجعل يلقيها [٥] على الجارية حتى حفظتها ، وأحكمت الغناء بها ، وأهداها إلى ابن مردنيش بعد ما أوصاها أنها متى [٦] استدعاها إلى الغناء وظفرت به في أطرب ساعة وأسرّها غنّته بهذه الموشحة ، وتلطّفت في شأن رغبتها في سراح قائلها ، فلعلّ الله تعالى يجعل في ذلك سببا ، واتّفق أن ظفرت بما أوصاها به ، وأحسنت غناء الموشحة ، فطرب ابن مردنيش لسماع مدحه ، وأعجبه مقاصد قائلها ، فسألها : لمن هي؟ فقالت : لمولاي عبدك ابن نزار ، فقال : أعيدي عليّ قوله «يا لائمي على السراح» فأعادته ، فداخلته عليه الرأفة والأريحية [٧] بما أصابه ، فأمر في الحين بحلّ قيده ، واستدعى به إلى موضعه في ذلك الوقت ، فلمّا دخل خلع عليه وأدناه وقال له : يا أبا الحسن ، قد أمرنا لك بالسّراح على رغم الحسود ، فارجع إلى بلدك مباحا لك أن تطلب الملك بها وبغيرها إن قدرت ، فأنت أهل لأن تملك جميع الأندلس ، لا وادي آش ، فقال له : والله يا سيدي بل ألتزم طاعتك والإقرار بأنك بعثتني من قبر رماني فيه الحسّاد والوشاة ، ثم شربا حتى تمكّنت [٨] بينهما المطايبة ، فقال له : يا ابن نزار ، الآن أريد أن أسألك عن شيء ، قال : وما هو يا سيدي؟ قال : عمّا في أمّ رأسك حين قلت : [البسيط]
في أمّ رأسي ما يعيا الزمان به
شرحا فسل بعدها الأيام عن خبري
فقال له : يا سيدي ، لا تسمع إلى غرور نفس ألقته [٩] على لسان نشوان لعبت بأفكاره