ولمّا انتثر سلك نظام ملك لمتونة تفرّق ملك الأندلس رؤساء البلاد ، وكان من جملتهم الأمير أبو الحسن بن نزار لما له من الأصالة في وادي آش ، فحسده أهل بلده ، وقصدوا تأخيره عن تلك المرتبة ، فخطبوا في بلدهم لملك شرق الأندلس محمد بن مردنيش ، ووجّه لهم عمّاله وأوصالهم أن يخرج هذا الأسد من غيله ، ويفرّق بينه وبين تأميله ، ورفعوا له أشعارا كان يستريح بها على كاسه ، ويبثّها بمحضر من يركن إليه من جلّاسه ، ومنها قوله ، وقد استشعر من نفسه أنها أهل للتقديم ، مستحقّة لطلب سلفه القديم : [البسيط]
فعندما وقف ابن مردنيش على هذا القول وجّه إلى وادي آش من حمله إليه ، وقيّده ، وقدم به إلى مرسية أسيرا ، بعدما كان مرتقبا أن يقدم أميرا ، فلمّا وقعت عين ابن مردنيش عليه قال له : أمكن الله منك يا فاجر ، فقال : أنت ـ أعزّك الله! ـ أولى بقول الخير من قول الشّرّ ، ومن أمكنه الله من القدرة على الفعل فما يليق به أن يستقدر بالقول ، فاستحيا منه ، وأمر به للسجن ، فمكث فيه مدّة ، وصدرت عنه أشعار في تشوّقه إلى بلاده ، منها قوله : [المتقارب]
لقد بلغ الشوق فوق الذي
حسبت فهل للتلاقي سبيل
فلو أنني متّ من شوقكم
غراما لما كان إلّا قليل
تعلّلني بالتداني المنى
وينشدني الدهر : صبر جميل
فقل لبثينة إن أصبحت
بعيدا فلم يسل عنها جميل
أغضّ جفوني عن غيرها
وسمعي عن اللوم فيها يميل
[١] الواكف : المطر المنهمل ، واستعار المعنى هنا للدرر.