وقال أبو بكر عبد الله بن عبد العزيز الإشبيلي المعروف بابن صاحب الرد [٢] :[السريع]
يا أبدع الخلق بلا مرية
وجهك فيه فتنة الناظرين
لا سيما إذ نلتقي خطرة
فيغلب الورد على الياسمين
طوبى لمن قد زرته خاليا
فمتّع النفس ولو بعد حين
من ذلك الثغر الذي ورده
ما زال فيه لذة الشاربين
وما حوى ذاك الإزار الذي
لم يعد عنه أمل الزائرين
وهذه الأبيات يقولها في غلام كان أدباء إشبيلية قد فتنوا به ، وكان مروره على داره.
وحكي [٣] عنه أنه أعطاه في زيارة خمسين دينارا ، ومرّت أيام ثم صادفه عند داره ، فقال له : أتريد أن أزورك ثانية؟ فقال له : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، وهذا الجواب ـ على ما فيه من قلة الأدب ، وهتك حجاب الشريعة ـ من أشدّ الأجوبة إصابة للغرض ، والله تعالى يسمح له ، فقد قال ابن سعيد في حقّه : إن بيته بإشبيلية من أجلّ البيوت ، ولم يزل له مع تقلّب الزمان ظهور وخفوت ، وكان أديبا شاعرا ذوّاقا لأطراف العلوم ، انتهى.
ومن المشهورين بالمجون والخلاعة بالأندلس ـ مع البلاغة والبراعة ـ أبو جعفر أحمد بن طلحة الوزير الكاتب [٤] ، وهو من بيت مشهور من جزيرة شقر ، من عمل بلنسية ، وكتب عن ولاة من بني عبد المؤمن ، ثم استكتبه السلطان ابن هود حين تغلّب على الأندلس ، وربما استوزره في بعض الأحيان. وقال ابن سعيد [٥] : وهو ممّن كان والدي يكثر مجالسته ، ولم أستفد منه إلّا ما كنت أحفظه في مجالسته [٦] ، وكان شديد التهوّر ، كثير الطيش ، ذاهبا بنفسه كلّ مذهب ، سمعته مرّة وهو في محفل يقول : تقيمون القيامة لحبيب [٧] والبحتري والمتنبي ،