قبر الشّيخ الصّالح القدوة فرد زمانه أبي مدين [١] ـ رضياللهعنه ، ورزقنا بركته ـ وعليه رباط مليح مخدوم مقصود ، والدّائر بالبلد كلّه مغروس بالكرم وأنواع الثّمار ، وسوره من [٢] أوثق الأسوار وأصحهّا ، وبه حمّامات نظيفة ، ومن أحسنها ، وأوسعها ، وأنظفها ، حمّام العالية [٣] ، وهو مشهور ، قلّ أن يرى له نظير. وهذه المدينة بالجملة ذات منظر ومخبر ، وأنظارها متّسعة ، ومبانيها مرتفعة ، ولكنّها مساكن بلا ساكن ، ومنازل بغير نازل ، ومعاهد أقفرت من متعاهد ؛ تبكي عليها فتنسكب الغمام الهمّع [٤] ، وترثي لها فتندب الحمام الوقّع. إن نزل بها مستضيف قرته بوسا ، أوحلّ فيها ضيف كسته من رداء الرّدى لبوسا.
وأمّا العلم فقد درس رسمه في أكثر البلاد ، وغاضت أنهاره فازدحم على الثّماد [٥]. فما ظنّك بها وهي رسم عفا طلله ، ومنهل جفّ وشله [٦] ، وقد حضرت بها مدرّسا مذكورا عندهم يقرأ عليه باب التّوكيد من «الجمل» [٧]
[١] هو شعيب بن الحسن الأندلسي : من مشاهير الصوفية ، وأصله من الأندلس ، أقام بفاس ، وسكن بجاية ، وتوفي بتلمسان سنة ٥٩٤ ه. له «مفاتيح الغيب لإزالة الرّيب وستر العيب». ترجمته في عنوان الدراية : ٥٥ ونيل الابتهاج : ١٢٧ ، وتعريف الخلف ٢ / ١٨٠.
[٣] بقي هذا الحمّام قائما إلى أن حوّله الفرنسيون أيام احتلالهم للجزائر إلى مخزن عسكري ، ويقع بين ثكنة (المشور) وثكنة (كور مالة) الواقعة أمامها انظر الإعلام بمن حلّ مراكش ... ٤ / ٢٨٩.