ومنها إلى قاعدة مصر قرى ظاهرة متّصلة ، وعمارة متظاهرة [١٢٥ / ب] متأصّلة ، مسيرة خمسة أيّام ، لا يتعذّر بها مرام. وأعظمها عمارة ، وأسناها بزّة [١] وشارة ، مدينة بلبيس ، [٢] وهي مدينة كبيرة ، ذات أسواق قائمة ، ولها نخل وبساتين كثيرة ، وسواد أشجارها يظهر على بعد ، وموضعها يقتضي الخصب ورغد العيش ، ولكنّها في عيّن المجتاز الخاطر ، أحسن منها في عين المتأمّل النّاظر ؛ إذ ليس لها رونق الحضارة ولا رقّتها ، وهكذا أكثر بلاد مصر إلّا القواعد المعروفة.
[ذكر القاهرة في العودة]
ثمّ وصلنا إلى قاعدة الدّيار المصريّة ، وكنت إذ وردتها مريضا ، فلم يمكنّي فيها لقاء أحد ، وأنزلنا شيخنا شرف الدّين الدّمياطيّ بمدرسة الظّاهريّة في علّو منها مليح ، وكان يبعث إلي بشخص [٣] من فضلاء الأطبّاء يتفقّدني ويعالجني وهو الحكيم الفاضل أبو الطّاهر إسماعيل المقدسيّ ، فتى حدث السّن ، رصين العقل ، نافذ الفهم ، وما رأيت أحفظ منه للطّبّ ، ولا أحسن منه تصرّفا فيه ، ولا أذكر منه لنصوص كتب أبقراط ، وما زال يتفقدّني مدّة من سبعة أيّام حتّى تماثلت ، واشتهيت الطّعام ، والضّعف لي ملازم ، فقدّرت أنّ هواء [٤] البلد غير ملائم لي [٥] فسافرت وما وصلت إلى الإسكندريّة حتّى ثابت [٦] إليّ قوّتي ، وعادت إليّ صحّتي.