وعثاء [١] ، وبريّة دويّة قفراء [٢] ، كأنّ سالكها يخوض وحلا ، أو يدافع من رملها المنهال سيلا. ومسافتها ستّة أيام ، كأنّها لفرط العناء أعوام. ولو جمعت إلى وعثها [٣] المعنّي طولا لأعادت كلّ سالك لها بقيد الحمام [٤] معقولا. ولكنّ العزائم تقوى عليها بقرب المسافة ، [٥] مع حصول الأمن بها وانتفاء المخافة ، وذلك أنّ كلّ مرحلة منها منهلة عامرة ، والقوافل بها ليلا ونهارا ، مريحة وسائرة ؛ لا تستدبر ميلا إلّا لقيت له مستقبلا [٦] ، ولا تزمع تحويلا إلّا وجدت إلى وجهتك متحوّلا ؛ فخفّ لذلك عناؤها [٧] وإن لم يخفّ ، وذبل به عود لأوائها وهو من النّضارة يرفّ. وقلّما فارقها سالك ، حتّى عاد [٨] نضوا طليحا [٩] ، ولا ألقى عصا التّسيار بها مسافر ، حتّى صار لقى [١٠] طريحا.
ثم وصلنا إلى الصّالحيّة ، أوّل بلاد مصر ، ولكنّها معدودة في البرّية لضيق أرزاقها وشكاسة أخلاقها ، وإفراط عنائها ، وإضرار هوائها ؛ قرية تقري ضيفها قرّا وطوى ، وتوحشه بأنسها [١١] حتّى يأنس بالذّئب إن عوى [١٢].
[١] الوعثاء : ما غابت فيه الحوافر والأخفاف من الرمل الدقيق وغيره.
[٢] في ط : عثراء والدّوّيّة : الفلاة الواسعة الأطراف.