أنامله للعفاة [١] بالنّيل انسكابا ، وتزري بوبل الغيث سحّا [٢] وانصبابا ، وأمّا الفراسة فلو رآه إياس ، لعراه إياس ؛ فضيلة ديانة ، لا نتيجة زكانة ، وصنع قدير ، لا تصنيع تقدير ، وتوفيق قدر ، لا تدقيق نظر ، ونور بصيرة ، يستمدّ من صلاح سريرة ؛ وقد حضرته واقفا في مضيق والنّاس يخطرون عليه ، فخطرت امرأة على بعير مع قوم مشاة ، فلمّا أحسّ بمشيها قال لهم : أهي امرأة؟ فقالوا : نعم. وأخبرني من أثق به أنّه رآه يقف على البنّائين في حرم الخليل 7 وفي القدس ، فيقول لهم : هذا متقن وهذا غير متقن ، ولا يزال يعرّفهم بما في بنائهم من عيب ، ويقفهم [٣] على دقائق ما فيه من فساد ، ممّا لا يمكن البتّة أن يتعرّف إلّا بالمشاهدة. وله مجلس علم يحضره ، ولا يتخلّف عنه ؛ وناهيك بشيخ [٤] كبير ، رئيس ملك من الملوك ، يجلس للفقراء يدرّسونه من الصّباح إلى المساء ، ويقعد بين يدي المقرىء مجوّدا عليه للكتاب العزيز [١١٩ / آ] غير مستند قعود الصبيّ بين يدي معلّمه ، لا يأنف ولا يتكبر ، ولا يعتو ولا يتجبر فسبحان من له الإبداع والإنشاء (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ)[٥].
[١] العفاة : جمع عاف. وهو كل من جاءك يطلب فضلا أو رزقا.