البرّيّة بكثير ، ولكنّها طريق شاقّة قليلة الماء جدّا ، وردها على سبعة أيّام ، فحملهم الكسل والحين المقدّر إلى سلوكها مع ضعفهم وتهتّك قواهم ، فوقع عليهم الثّلج وهم بالقرب من عمّان فأفنى [١] منهم خلقا كثيرا. وذكر بعض من حضر ذلك [١١٨ / ب] أنّه قد أحصي منهم ألف وسبع مئة ، وما أعلم أنّه مات ممّن رجع على الطّريق الأوّل إلّا أقل من عشرة ماتوا بالمرض.
[التّعريف بعلاء الدّين الأعمى]
وسافرنا من عقبة أيلة إلى الشّام صحبة الأمير الصّالح علاء الدّين الأعمى [٢] ـ وصل الله علاه ـ فرأيت منه رجلا قلّ أن يسمح الدّهر بمثله ، سخاوة نفس ، وسراوة همّة ، ومتانة دين ، وصحّة يقين ، إلى علم جمّ قد حفظه سماعا ، وذكاء متّقد يلمع إليه بالأمور الخفيّة إلماعا ، وصلاح معجز لا يبارى ، وسبق في ميدان الفضائل [٣] لا يجارى ، وصبر في ذات الله على تحمّل الأذى ، وإغضاء للجفون طلبا لمرضاته على القذى ، ينام النّاس وهو ساهر ، ويستكنّون [٤] وهو ظاهر ، ويريحون وهو سارح ، ويستريحون وهو غاد ورائح ، رعيا منه للفقراء والمساكين ، وذبّا للأذى عمّن دبّ إليه الرّدى ولا معين ، يدأب على ذلك ولا يملّ ، ويصمّم عليه بعزم يعقد [٥] ولا يحلّ ؛ على أنّ السّن قد أخذت منه مأخذها ، [٦] وجند المشيب قد استولى على الشّبيبة فأخذها [٧] ؛ تنسكب