ولمّا انتهينا إلى المفازة الّتي في طريق تلمسان وجدنا طريقها منقطعا مخوفا ، لا تسلكه الجموع الوافرة إلّا على حال حذر واستعداد. وتلك المفازة [١] ـ مع قربها ـ من أضرّ بقاع الأرض على المسافر [٢] ؛ لأنّ المجاورين لها من أوضع خلق الله ، وأشدّهم أذاية ، لا يسلم منهم صالح ولا طالح ، ولا يمكن أن يجوز عليهم إلّا مستعد يتفادون من شرّه [٣] ، وطلائعهم أبدا على مرقب لا يخلو منها البتّة ؛ أطلع الله عليهم من الآفات مايسحتهم [٤] جميعا أصلا وفرعا ، ويقطع دابرهم إفرادا وتثنية وجمعا ، حتّى يكونوا آية للمعتبرين ، وعبرة للنّاظرين ، بعزّة الله وقدرته ، وحوله وقوّته.
وكنت حينئذ لا تمكنني الإقامة حتّى أجد صحبة لغرض كان لي ، فأزمعت أن أترك بعض الأصحاب بما كان معنا من النفقة منتظرا للصّحبة ، وأنصرف أنا مخاطرا بما تدعو الحاجة إلى استصحابه. فبينما أنا أوصي من أردت إقامته متنغّصا بهذا الحال وأعرّفه بما يصنع ، إذ وقف علينا جماعة رجال متسلّحين عارفين بالطّرق [٥] ، عازمين على اعتساف [٦] المجهل [٧] ، فاستربت بهم ، ثمّ قوي في نفسي أنّ ذلك لطف من الله تعالى وغوث أتاحه
[١] المفازة : البرّية القفر المهلكة ، وسميت بذلك تفاؤلا ؛ من الفوز والنجاة.