في الحصن احتياطا عليه من الفساد ـ زعموا ـ وجعلوا المعترك خارج الحصن إلى مسافة منه ، ونصبوا لذلك حدودا وأعلاما ؛ فهم يتقاتلون من ورائها ، فإذا آوتهم حدود الحصن لم يرم أحد منهم حجرا ، و [لو][١] اجتمع بقاتل حميمه [٢] لا يعرض له ، فإذا خرجوا من حرم الحصن اشتعلت نار الحرب بينهم. هذا دأبهم لا يغدرون ولا ينقضون ، وخافوا فساد حصنهم ولم يخافوا فساد كونهم! واستباحوا ما حرّم الله من قتل النّفس ، وامتنعوا من [٥ / ب] خرم ما شرّعوه بينهم من قانون السّخف! و «كلّ مستعمل وميسّر لما خلق له» [٣]. لا جرم أنّ فيهم آحادا لا بأس بهم ، وخصوصا من جال منهم ورأى النّاس. وعامّتهم جاهليّة الطّباع ، ولكنّ مكارم الأخلاق عامّة لأكثرهم. وقد سمعت سيّدي الفقيه الجليل الفاضل أبا بكر بن عبد العزيز ـ ; ـ يحكي عن والده الشّيخ الصّالح القدوة أبي محمّد ـ وكان دخل بلاد القبلة ـ أنّه كان يقول : «الغرب دنيا بلا رجال ، والقبلة رجال بلا دنيا» أو كلاما هذا معناه ؛ وإنّما يعني مكارم أخلاقهم مع أنّ عيشهم غير متّسع كاتّساعه في الغرب.
وما زلنا في كنف لطف الله تعالى وتحت ذيل عنايته [٤] لا يهيجنا أحد إلا ردّه الله عنّا خاسئا [٥] حتّى انفصلنا عنها في أزيد من ثلاثين مرحلة.
[٣] أخرجه البخاري في كتاب القدر ، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا ، رقم ٦٦٠٥ ـ ١١ / ٤٩٤ ، ومسلم في القدر باب كيفية الخاق رقم ٢٦٤٩ ـ والترمذي في القدر باب ما جاء في الشقاء والسعادة باب ما جاء في الشقاء والسعادة رقم ٢١٣٧ وفيها بلفظ : «كلّ ميسر لما خلق له».