وفرقة بأخلاق أهل الخير تدين ، على ما يتناولهم من أيدي المعتدين ، ويتداولهم من الولاة [١] المفسدين ، كشف الله عنهم تلك البلوى ، وحسم [٢] الدّاء الّذي أذبل نضارتهم وأذوى.
ثمّ سافرنا منها على بلاد القبلة ، وهي بلاد مات فيها العلم وذكره ، حتّى صارت العادة في أكثرها أنّهم لا يتّخذون لأولادهم مؤدّبا ، ولا تسمع في مساجدهم تلاوة ، وإذا طرأ عليهم من يحفظ من [٣] القرآن آجروه على الإمامة [٤] ، ويواظبون على الصّلاة في الجماعة ، إذ لا يحفظ منهم أحد [٥] ما يصلّي به إلّا النّادر ، ولكنّهم في الغاية من حسن الظّنّ بأهل الدّين وقوّة الرّجاء فيهم ، وهم أهل ذمام [٦] واحترام وحماية للجار وإيواء للغريب على ضدّ ما عليه أكثر أهل الغرب.
وفي أكثر بلادهم حصون مجموعة ، وأنهار جارية ، وقلّما تخلو من الحروب والفتن ، وربّما تحارب أهل الموضع الواحد ، فيتقاتلون عامّة النّهار ، فإذا آواهم اللّيل أووا إلى بيوتهم ، لا يهيج [٧] أحد منهم صاحبه ، وربّما تقاتلوا على السّقوف ، وإذا فرغوا نزلوا عنها إلى بيوتهم ، وقد رأيت عندهم في هذا أعجوبة ، وهي أنّ أهل حصن منهم تحاربوا ، فأجمعوا رأيهم على ألّا يتقاتلوا