يتبّرض [١] في المناهل. فلا يصل إليها إلّا وهو نضو [٢] دنف. قد سامه ليبتاعه التّلف. فما هو إلّا أن يردّه امتداد الأجل إلى أرضه ، ويرميه إلى مسقط رأسه ، حتّى تراه مستعّدا لمثلها ، مشيح [٣] العزم في الإقدام ثانية عليها. لم يثن عزمه ما كابده من البرحاء [٤] ، ولا كسر من حدّه ما شاهده من فرط العناء ، فيبتدئها [٥] جديدة ، ويفرّ عنها جذعة [٦] ، ويستقبلها مستأنفة ، كأنّه لم يذق لها مرارة ، ولا رأى من دلائل نصبها أمارة ، وهل هذا إلّا صنع إلهي ، وأمر ربّانيّ ، ودلالة [٧] لا تشوبها شبهة ، ولا تمرّ بها مرية ، تقوّي بصيرة المستبصر ، وتسدّد فكرة المتفكّر ؛ هذا وكم من آية لها تبهر العقول ، ودلالة تشاهد على وفق المنقول.
[حدود مكّة]
وهي ـ شرّفها الله ـ بلدة كبيرة متّصلة البنيان في بطن واد بين جبال محيطة بها ، لا يراها القاصد إليها حتّى يشرف عليها. والجبال المحيطة بها ليست شامخة ، وبنيانها آخذ في الاستطالة مع الوادي ، ولا سور لها ، إلّا أنّها حيزت من أعلى الوادي وأسفله بحائطين من صخور لا ملاط لها ، قطعا [٨] الوادي عرضا حتّى وصلا بين الجبلين ، وهما على فسحة من البلد. وأعلى