وسعة المنار من ركن إلى ركن مئة وأربعون شبرا ، وفي أعلاه جامور [١] كبير عليه آخر دونه ، وفوق الأعلى قبّة مليحة يطلع إليها في درج مشرعة إلى النّواحي ، ولها محراب للصّلاة.
ومن الإسكندريّة إلى المنار برّ متّصل أحاط به البحر حتّى اتّصل بسور البلد ، فلا يمكن الوصول إلى المنار في البرّ [٢] إلّا من البلد وفي هذا البرّ مقابر الإسكندريّة ، وفيها من المزارات وقبور العلماء والصّالحين ما لا يعدّ كثرة.
وفي ما سطّر النّاس من وصف الإسكندريّة ومنارها ، وما ذكروا من عجائب آثارها ما هو الغاية في إتقان الوصف وإجادته ، وما يغني عن تكلّف إعادته ، بيد أنّها الآن بلد زادت صورته على معناه ، واستأثر بالفضائل مغناه ، فهو كجسم حسن لا روح فيه ، أو برد مفوّف [٣] خلا من ملتحفيه ، أو غمد مرقّش [٤] اندقّ الصّارم الّذي كان يخفيه. أكثر أهلها رعاع [٥] ، ضرر بلا انتفاع ، مع سوء أخلاق ، ومرارة مذاق ، وقلوب ربّاها الضّغن [٦] تربية الأولاد ، وجفاها الخير والصّلاح لما عمرها من الشّرّ والفساد ، الخيّر فيهم فعل لا يتصرّف ، والغريب بينهم نكرة لا تتعرّف ، إن رأوه زادوا الوجوه جهامة ،
[١] الجامور : كلمة مولدة تطلق على كرة من النّحاس وتجعل في أعلى المآذن وعلى رأس الخيام الرفيعة ، حاشية طبعة الرباط صفحة ٩٢.