[ذكر برقة]
وبعد مكابدة الأين [١] ، ومعاينة الحين ، ومقاساة غصّة وحرقة ، والسّلو عن ألم وداع وفرقة ، وصلنا إلى القفر القواء أرض برقة [٢]. فوجدنا برّيّة هي أمّ البراري والقفار ، [٣] والموماة المومئة بالإقلال [٤] من وصال الأسفار [٥] ، يستعذب عذابها المنفضّ [٦] من الحجّاج ، كما استعذب الظّمان المورد الأجاج ، امتدّت وطالت ، واشتدت وهالت ، واربدّت [٧] وحالت ، ولو أنشدت لقالت :
[الطويل]
أنا الغول غالت من يطور فناءها
وتخدع بالألطاف طورا وبالبرّ [٨]
فإن أكلوا برّي شربت نفوسهم
وكم بين نفس المرء في الغدر والبرّ [٩]
سكنها [١٠] من الأعراب كلّ فظّ غليظ ، يحرج بجفائه الأحنف [١١] ويغيظ ، حتّى تكاد منه النّفس تغيظ [١٢] ، لا جرم [١٣] إنّهم يقرون النّزيل ، ويوالون
[١] الأين : الإعياء والتعب.
[٢] برقة : مدينة ليبيّة قديمة بين الاسكندرية وإفريقية بينها وبين البحر ستة أميال. انظر ياقوت ١ / ٣٨٨.
[٣][٣] ـ على هامش الأصل : والمهامه التي يحار فيها أرباب الأسفار.
[٤] في ط : بالإحلال.
[٥] المنفضّ : المتفرّق.
[٦] اربدّت : تغيرّت.
[٧] في ت وط : إذا الغول ، وغالت : أهلكت. يطور : يقرب.
[٨] البرّ : حبّ القمح ، والبرّ : الخير والإحسان.
[٩] في ط : سكانها.
[١٠] ـ الأحنف بن قيس سيد تميم وأحد العظماء الفاتحين ، يضرب به المثل في الحلم ، توفي سنة ٧٢ ه. له ترجمة في طبقات ابن سعد ٧ ، وفيات الأعيان ٢ / ٤٩٩.
[١١] ـ في ت : تفيض ، وكلاهما بالمعنى نفسه.
[١٢] ـ لا جرم : أتت هنا بمعنى حقّا.