وفي أعلى القصر من كل جهة صخور بارزة من البنيان عظيمة ، قد نحتت مستديرة ، وحفرت فيها مجار للماء من السّطح فصارت ميازيب متّسعة المجاري في غاية الإحكام وجمال المنظر.
وقد دلّت آثار تلك البلدان على ضخامة مملكتها في غابر الزّمان ، على ضدّ ماهي عليه الآن ، فإنّها شديدة الإهمال ، غير سديدة الأحوال ، طامسة المسالك ، دامسة كاللّيل الحالك ، عمرانها خراب ، وغدرانها سراب ، وعنوانها يباب [١] ، يكلّ عن وصف فنائها لسان المنطيق [٢] ، ويضيق في ميدان تبيان خلائها عنان التّلفيق ، حلت بها الآفات والمحن ، وشفى منها الدّهر على عقد لها من حقود وإحن [٣] ، لا يسلكها إلا مخاطر ، ولا يعدم من عربانها إيلام خاطر [٤٥ / آ] قد استوى لديهم الصّالح والطّالح ، واتّفق في مذاقهم لكفرهم ونفاقهم كل عذب ومالح. اتخذوا أخذ الحاج خلقا ودينا واعتقدوا إهلاكه ملّة ودينا ، فماله عندهم طعمة [٤] أحلى من مال اليتيم في في [٥] الوليّ الفاجر اللّئيم ، ومن حديث إخوان الصّفاء [٦] ، ومن الوعد على ثقة الوفاء ، لبسوا أسمال [٧] المعاوز ،
[٦] إخوان الصفا : جماعة من فلاسفة المسلمين من أهل القرن الثالث ببغداد ، اتحدوا على أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية المعروفة في ذلك العهد فكتبوا في ذلك خمسين مقالة سمّوها «تحفة أخوان الصفا». انظر دائرة معارف القرن العشرين ١ / ١٠٦.