نهاية العظم ، منقوشة بأحسن النّقش ، مرصوفة بأعجب الرّصف ، متماثلة المقدار علويّها وسفليّها ، ولا ملاط [١] بين الصّخور من طين ولا غيره ، ومن العجب ترتيب تلك الصّخور [٤٤ / ب] ورصفها في الأساس فضلا عن رفعها إلى السّقف ورصفها هناك مع إفراط عظمها ، وفي مقعد القبّة صخرة مستديرة منقوشة ، يحار النّاظر في حسن وضعها ، وعلى القبّة قبّة أخرى عالية ، ومبان مرتفعة ، ورأيت للقبّة السّفلى بابا مسدودا ، وعليه من خارجه صورة أسدين قد اكتنفاه مصوّرين من تلك الصّخور بأبدع صنعة ، وأغربها ، وهما متقابلان على الباب ، وفي كلّ واحد منهما صورة لجام قد أمسك بعنانه شخص واقف وراءه ، وقد منعه به أشدّ المنع ، ولعلّ ذلك كان لمعنى تعطّل وجهل سرّه ، والله أعلم.
[قصر الجمّ]
والّذي في بلاد إفريقية من عجائب البناء ، وآثار الاعتناء أمر يضيق عنه الوصف ، منها قصر الجمّ [٢] ، وسيأتي ذكره إن شاء الله ، ومنها قصر يعرف بالمنارة غربي القيروان ، على مرحلة منه ، مبنيّ من صخور منحوتة ، موضوع على الاستدارة [٣] كأنّه مخروط من عود ، وهو من فرط إتقانه كأنّه حجر واحد ، وفي أعلاه طوق ناتىء من تلك الصّخور على هيئة طنف [٤] قد نحت ورقّقت أطرافه حتّى تجردّت [٥] ، وعرّض من الأصل فأتت لذلك جميلة المنظر.
[١] الملاط : الطين الذي يجعل بين ساقي البناء ، ويملط بين الحائط.
[٢] قصر الجم : هو أعظم قصور إفريقية وأشهرها ، شكله مستدير ، وارتفاعه في الهواء مائة ذراع ، وذكر البكري أن تكسير دائرته في الأرض ميل. ويقال : إن الكاهنة حصرها عدوّها في هذا الحصن فحفرت منه سربا نفذت به إلى سلقطة. انظر : رحلة التجاني : ٥٧ ، الحلل السندسية ١ / ٣٠٦.