تفرّجا وتعبّدا ، والقناطر من تونس إليها معطّلة ، وهذه القنطرة تعرف عندهم بالحنايا [١] ، وهو ممّا يقصّر [٢] عنها الوصف [٣] لفرط إتقانها وغرابتها ؛ ويذكر أنّ الرّوم أقاموا في تدبيرها والنّظر في وضعها أربع مئة سنة [٢٣ / آ] وهذا بعيد.
وأمّا أبو عبيد البكريّ فحكى «أنّ عملها فرغ حتّى استوى فيها الماء في أربعين سنة» [٤] وهذا يشبه مع الاعتناء التّامّ ، والأداة الكاملة ، والقوّة الوافرة. وقد كان بعض الأمراء ـ وهو أخو القائم بها الآن ـ احتاج إلى إصلاح بعض الحنايا بها ممّا يلي تونس ليوصل الماء إليها ـ إذ كانت معطّلة قبله ـ فأقام في عملها مجتهدا بأقصى ما يمكنه أعواما عديدة ، ولم يمكنه ردّ ذلك على ما كان عليه ، ولا ما يقرب منه ، بل اقتنع بتسديده كيف ما أمكن مع قلّته وتفاهته بالإضافة إلى غيره.
وما زالت مدينة تونس ـ كلأها الله ـ دار ملك وضخامة ، وهي الآن دار مملكة إفريقية على ضعف المملكة بها ، وانتهائها إلى حدّ التّلاشي ، ومع ذلك فقد أربت على البلاد في كلّ فضيلة ، وما رأيت لأهلها نظيرا شرقا وغربا ، شيما فاضلة ، وخلالا حميدة ، [٥] ومعاشرة جميلة [٦] ، وقد كان الأخلق بمن شاهد أخلاقهم أن يطنب في وصفهم ، ويضرب عمّن لم يمحضهم الوداد