وينصفهم [١] ؛ إذ ذاك من بعض واجبهم ، وأقلّ مراتبهم ، ولكنّ الزّمان لا يعين على توفية الحقوق ، ولا يتعمّد بالفراغ إلّا أهل العقوق ، وناهيك من بلد [٢] لا يستوحش به غريب ، ولا يعدم فيه كلّ فاضل أديب ؛ يبدؤون من طرأ عليهم بالمداخلة ، ويخطبون منه لفضل طباعهم المواصلة ، فهو منهم بين أهل مشفق ، ورفيق مرفق ؛ وقد كان بعض أخيار طلبتها وحسبائهم [٣] لا زمني مدّة الإقامة بها وترك لأجلي مهمّات أموره ، وعرّفني بفضلائها ، وكان لا ينفصل عنّي عامّة النّهار ، وكثيرا ما كنت أمرّ بمن لا يعرفني من أهلها ، فأسأله عن الطّريق إلى ناحية منها ، فيقوم من حانوته ماشيا بين يديّ يسأل الناس عن الطّريق ، ويدلّ بي ، وهذا من أغرب ما يسمع من جميل الأخلاق و (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ)[٤]. ولولا أنّي دخلتها لحكمت بأنّ العلم في أفق الغرب قد [٢٣ / ب] محي رسمه ، [٥] ونسي اسمه [٦] ، وضاع حظّه وقسمه ، ولكن قضى الله بأنّ الأرض لا تخلو من قائم له بحجّة ، يرى سبيل الحقّ ويوضح المحجّه [٧] ، وما من فنّ من فنون العلم إلّا وجدت بتونس به قائما ، ولا مورد من موارد المعارف إلّا رأيت بها حوله واردا وحائما [٨].