الجدر ، وشدّت إليها حبال متينة في حلق من حديد مثبتة فيها وفي السّقوف شدّا محكما ، فإذا كان يوم الجمعة نشرت عليها شقق [١] الكتّان المطبّقة الموصولة حتّى تظلّل جميع الفضاء ؛ ذلك دأبهم فيها حتّى ينصرم [٢] فصل الصّيف.
وأمّا السّاقية المذكورة فهي من جملة غرائب الدّنيا ، وهي قديمة من عمل الرّوم ، مجلوبة من جبال بجنوبي [٣] تونس ، على مسيرة يومين أو نحوها في أوعار وأودية منقطعة وجبال وآكام [٤] ، فإذا انتهوا بها إلى جبل أو تلّ خرقوه وسربوا الماء فيه ، وإذا انتهوا إلى واد أو وهد بنوه قناطر بعضها فوق بعض ، حتّى يستوي مع مجرى السّاقية بصخر منحوت أتقن ما يكون من البناء ، وأغربه وأوثقه ، حتّى ينسرب [٥] الماء منها في مستو معتدل ، واتّصلت هذه السّاقية بهذا العمل ، حتّى دارت من وراء تونس إلى الغرب وانتهت إلى قرطاجنّة [٦] ، وبينها وبين تونس اثنا عشر ميلا ، وهي من أعجب مدن الأرض وأغربها ؛ لما [٧] يحكى عنها في فرط الاعتناء وغرابة الصّنعة ، وحسبك أنّ هذه السّاقية من جملة الاعتناء بها.
وأمّا الرّخام فمنها يجلب إلى كلّ موضع بإفريقية قديما وحديثا ، ولا يفنيه ذلك منها ، وهي الآن داثرة لا أنيس بها ؛ وأهل تونس يخرجون إليها