من نوع ثبوت في العهدة و هو ثبوت استعلائي، فنقول: إنّ هذا الميسور لا يسقط من مكانه بسقوط المعسور، و بحسب النّظر الدقّي و إن كان الثبوت في العهدة تابعا لثبوت الحكم، فيسقط الواجب بسقوط الوجوب، لكن في نظر العرف يرى الحكم حيثيّة تعليليّة لثبوت الشيء في العهدة لا حيثيّة تقييديّة، من قبيل الشيء الّذي يكون ثابتا في الرفّ لأجل اتّكائه على خشبة مثلا، فإذا استبدلت الخشبة بخشبة أخرى قيل إنّ هذا الشيء لم يسقط من الرفّ، لأنّه أسندته خشبة أخرى، و كذلك في المقام إذا استبدل الوجوب بوجوب آخر متعلّق بالميسور، قيل: إنّ الميسور لم يسقط عن العهدة. هذا. و المحقّق الأصفهاني قدّس سرّه ذكر: أنّ عدم السقوط منسوب إلى نفس الميسور لا إلى حكمه كما ذكرنا، إلاّ أنّه رحمه اللّه ذكر أنّ نسبة عدم السقوط عليه تكون باعتبار موضوعيّته للحكم فمفاد الحديث: أنّ الميسور لا يسقط عن كونه موضوعا للحكم بسقوط المعسور أقول: إنّ هذا ممّا لا يساعد عليه البحث العرفي، فإنّ السقوط يحتاج إلى فرض نحو ارتفاع للساقط بحيث يهوي و يسقط، و مجرّد كون الميسور موضوعا للحكم لا يوجب نحو ارتفاع له ما لم تكن موضوعيّته لهذا الحكم مساوقة لوجوده في العهدة على المكلّف، و لذا لو ارتفعت إباحة شرب الماء مثلا لا يقال: إنّه سقط شرب الماء، و لو ارتفع وجوب الصلاة قيل: إنّه سقطت الصلاة [1]. و أمّا حديث «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» فلو كنّا نحن و هذه الجملة، لكانت دلالتها على المقصود واضحة، فإنّ ظاهرها أنّه كلّما وجب شيء ثمّ
[1] و كأنّ المتحصّل من هذا البحث: أنّ حديث الميسور عيبه هو ضعف السند، و لو كان تامّا سندا لصحّ الاستدلال به على قاعدة الميسور. و لكن لا يبعد القول بأنّ هذا الحديث حتّى لو فرضت تماميّته سندا فهو غير تامّ دلالة، و ذلك لأنّ قاعدة الميسور قاعدة مركوزة عقلائيّا لا في مورد البحث من فرض عدم سقوط الميسور من الأجزاء بالمعسور منها، بل في مورد فرض سقوط الميسور من الأفراد بالمعسور منها، و هذا الارتكاز العقلائي يصرف النصّ إلى مفاده المرتكز، و لا تبقى للحديث دلالة على ما هو خارج من دائرة ذاك الارتكاز، و بهذا تبطل - أيضا - دلالة (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه).