و الثاني: تقريب أعمق من التقريب السابق جيء به على يد المحقّق النائيني رحمه اللّه و مدرسته، و هو: أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان مرجعها إلى قاعدة قبح العقاب بلا مقتض للتحريك، و ذلك لأنّ الأشياء الخارجيّة بوجوداتها الواقعية لا تقتضي العزم و الإرادة في عالم النّفس، و بالتالي حركة الإنسان نحو ذلك الأمر أو نحو الفرار منه، و إنّما المقتضي للعزم و الإرادة في عالم النّفس، و بالتالي لحركة الإنسان نحو ذلك الشيء، أو الفرار منه، إنّما هو الأشياء الخارجيّة بوجوداتها العلميّة في عالم النّفس، فالعطشان قد يموت من العطش مع وجود الماء خلفه و هو لا يشربه لأنّه لا يدري به، و إذا علم بذلك حصل له العزم و أراد تحصيله و تحرك نحو شربه. و السبع قد يباغت الإنسان فيأكله لأنّه بوجوده الواقعيّ ليس محركا للإنسان نحو الفرار، و إنّما يكون محرّكا بوجوده الواصل، فإذا علم به الإنسان فرّ منه. نعم قد يحتاط الإنسان في غير مورد العلم، فلا يجتاز مسبعة الأسد مثلا، و لكن هذا يكون بنكتة أخرى واصلة إليه، فالمحرّك - إلاّ أنّ هذا الكلام لو تمّ فإنّما يثبت البراءة الشرعيّة لا البراءة العقلية، نعم تثبت بذلك البراءة الشرعيّة التي هي بمستوى البراءة العقليّة، أي أنّ أدلّة الاحتياط لو تمّت ترفع موضوعها، و لو سقطت بالتعارض مع روايات البراءة كانت هذه البراءة هي المرجع. و قد يقال: إنّ هذا الكلام من أساسه غير صحيح، لأنّ الفرق بين المولويّة الذاتيّة و المولويّات العرفية في السعة و الضيق لعلّه واضح بالفطرة ممّا يمنع الناس عن التعدّي إلى الشرعيات.