من بلغ بروايات الاستحباب يكون الثابت هنا استحباب العمل بعنوان البلوغ، و ليس هناك أيّ معارض أو مزاحم لذلك، لأنّ المفروض أنّ أخبار من بلغ لم تشمل تلك الرواية الضعيفة الدالّة على الكراهة. و أمّا بناء على القول بعدم اختصاص أخبار من بلغ بروايات طلب الفعل فعندئذ قد يقال: لا مانع من شمولها لكلتا الروايتين، فيثبت استحباب كلّ من الفعل و الترك، إلاّ أنّهما يتزاحمان و لا ضير في ذلك، إذ ما أكثر المستحبّات المتزاحمة. لكنّ الصحيح هو التفصيل بين ما لو كان الخبران الضعيفان دالّين على الحكم التوصّليّ و ما لو كان أحدهما - على الأقلّ - دالاّ على الاستحباب التعبدي، ففي الأوّل يقع التعارض لا محالة بين دلالتي أخبار من بلغ، إذ لا يعقل جعل الاستحباب للفعل و للترك معا، لأنّه تلزم من ذلك اللغويّة، إذ يستحيل أن يتفاوت حال العبد بعد الأمر عنه قبل الأمر، فإنّه - على أيّ حال - لا يقدر على الجمع بين الفعل و الترك، و صدور أحدهما منه ضروريّ، فيقع التنافي بين الجعلين، و ذلك يوجب التعارض في عالم الإثبات و الدلالة. نعم، إذا كان أحدهما - على الأقلّ - تعبّديّا لم يكن بينهما تعارض، إذ الفعل القربيّ مثلا مع الترك ضدّان لهما ثالث، فيختلف حال العبد بعد الأمر عنه قبله، إذ يمكنه ترك كليهما و اختيار الثالث، فالأمر يحرّكه نحو الجامع بينهما. هذا ما أفاده السيّد الأستاذ في المقام«». و يرد عليه أوّلا: منع شمول أخبار من بلغ للرواية الدالّة