والبحث في المقام تارة : يقع في خصوص
المثال من حيث المسألة الفقهية. وأخرى : يقع في كلي ما كان من هذا القبيل من حيث
المسألة الأصولية.
اما البحث عن المقام الأول : فهو وان
كان خارجا عما نحن فيه الا انه لا بأس بالإشارة إليه فنقول :
انه لا تنافى في مثل قوله : إذا حفى
الاذان فقصر ، وإذا خفى الجدران فقصر ، من حيث إن الظاهر من خفاء الجدران هو خفاء
صورة الجدران لا شبحها ، فهو من هذه الجهة لا اجمال فيه. واما خفاء الاذان فلما
كان له مراتب : مرتبة خفاء فصوله في مقابل تميزها على وجه يمتاز كل فصل عن الآخر ،
ومرتبة خفاء مجموع الاذان في مقابل تميزه بنفسه وان الصوت صوت اذان ، ومرتبة خفاء
الهمهمة في مقابل عدم خفائها ، بحيث لا يظهر من الصوت بنفسه كونه اذانا ، بل
يستفاد كونه صوت اذان من القرائن.
ومقتضى الجمع بين الدليلين وحمل المجمل
على المبين ، هو حمل خفاء الاذان على المرتبة التي تنطبق على خفاء الجدران ، ولا
يبعد ان تكون تلك المرتبة حين خفاء الاذان المجموع من حيث المجموع ، لا خفاء خصوص
الفصول ، ولا خفاء الهمهمة ، فيرتفع التنافي بين الشرطين ، وتفصيله موكول إلى
محله.
واما
البحث عن المقام الثاني : فمجمله انه وان قيل فيه وجوه أربعة أو خمسة : من تقييد
مفهوم كل منهما بمنطوق الأخرى ، ومن رفع اليد عن المفهوم في كل منهما ، وغير ذلك ،
كما لا تخفى على المراجع. الا ان الانصاف : ان ذلك تطويل بلا طائل ، بل لا محصل
لبعض الوجوه ، فان تقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الأخرى لا يستقيم ، إذ ليس المفهوم
قضية مستقلة يمكن تقييدها ما لم يقيد أولا المنطوق ، فان المفهوم تابع للمنطوق في
جميع القيود ، فلا يعقل تقييد المفهوم بلا تقييد المنطوق.
فالتحقيق ، هو ان يقال : انه بعد ما كان
الشرط ظاهرا في العلة التامة المنحصرة ، وكان تعدد الشرط ينافي ذلك ، فلابد اما : من
رفع اليد عن كونه علة تامة وجعله جزء العلة ، فيكون المجموع من الشرطين علة تامة
منحصرة ينتفى الجزاء عند انتفائهما معا ، ويكون قوله : مثلا ، إذا خفى الاذان فقصر
وإذا خفى الجدران