ما هو الواقع بمقتضى
تبعية عالم الاثبات لعالم الثبوت ، فإنه لو كان الجزاء علة للشرط ، أو كانا معا
معلولين لعلة ثالثة ، لكان الكلام مسوقا لبيان البرهان الآني ، ويتوقف ذلك على كون
المتكلم في مقام الاستدلال على انتفاء الشرط عند انتفاء الجزاء ، حسب ما يقتضيه
الاستدلال الآني ، وهذا يحتاج إلى مؤنة خارجية ، والا فان طبع الكلام يقتضى كون
المقدم هو المقدم والتالي هو التالي في الواقع وعالم الثبوت ، فيكون الكلام قد سيق
على طبق الواقع.
والانصاف : ان دعوى الظهور السياقي للقضية الشرطية
في كون الشرط علة للجزاء قريبة جدا لا مجال لانكارها ، ولكن هذا بنفسه لا يكفي في
ثبوت المفهوم للقضية ما لم يكن الشرط علة منحصرة ، واثبات الانحصار لا يمكن الا
بدعوى اطلاق الشرط واجراء مقدمات الحكمة لاثبات انحصاره ، بتقريب : انه لو لم يكن
الشرط وحده علة منحصرة لكان على المولى الحكيم ، الذي فرض انه في مقام البيان ، ان
يقيد اطلاق الشرط بكلمة الواو ، أو بكلمة أو ، ليبين بذلك ان الشرط ليس بعلة وحده ،
بل يشاركه في عليته شيء آخر ولو عند الاجتماع ، أو ان الشيء الفلاني أيضا علة ، وحيث
لم يبين ذلك يستفاد منه ان الشرط وحده علة ، سواء سبقه شيء آخر أو لم يسبقه ، قارنه
شيء أو لم يقارنه ، وهو معنى كون الشرط علة منحصرة ، هذا.
ولكن الانصاف
: ان هذا التقريب لا يستقيم ، لأنه أولا : ان مقدمات الحكمة انما تجرى في
المجعولات الشرعية ، ومسألة العلية والسببية غير مجعولة ، على ما تقدم منا مرارا ،
وانما المجعول هو المسبب على تقدير وجود سببه ، فلا معنى للتمسك باطلاق الشرط على
كونه علة منحصرة.
وثانيا
: ان القضية الشرطية لا دلالة لها على
استناد الجزاء إلى الشرط ، وكون وجوده معلولا لوجوده ، بل غاية ما تدل عليه القضية
الشرطية ، هو الترتب بين الجزاء والشرط ووجود الجزاء عند وجود الشرط. وهذا المعنى
لا يتفاوت الحال فيه ، بين كون الشرط علة منحصرة ، أو غير منحصرة ، فان الجزاء
يكون مترتبا على الشرط على نسق واحد ، سواء كان هناك شرط آخر ، أو لم يكن. بل لو
فرض دلالة القضية الشرطية على استناد الجزاء إلى الشرط وكونه معلولا له لم يكن
أيضا موقع للتمسك