ولكن يبعد ان يكون النزاع بتعلق الاحكام
بالطبايع أو الافراد مبنيا على وجود الطبيعي وعدمه ، إذا لظاهر ان من يقول بتعلق
الاحكام بالافراد ، لا ينكر وجود الطبيعي. فلا بد ان يرجع نزاعهم في ذلك إلى امر
آخر. ومعلوم : انه ليس المراد من تعلق الاحكام بالافراد تعلقها بالافراد الشخصية ،
لاستلزام ذلك طلب الحاصل حيث إن فردية الفرد انما يكون بالتشخص ، والتشخص يساوق
الوجود.
ولا يمكن أيضا ان يكون مراد القائل
بتعلق الاحكام بالافراد ، تعلقها بها على وجه يكون التخيير بينها شرعيا ، بحيث
تكون الخصوصيات الشخصية مطلوبة على البدل ، فيكون قوله ( صل ) بمنزلة قوله : صل في
هذا المكان أو في ذلك المكان ، وفي هذا الزمان أو ذلك الزمان ، وهكذا. بحيث يكون
قوله ( صل ) بمنزلة الف ( صل ) فان سد باب التخيير العقلي بمكان من الفساد.
فالذي يمكن ان يكون محل النزاع على وجه
يرجع إلى امر معقول : هو ان يكون النزاع في سراية الامر بالطبيعة إلى الامر
بالخصوصيات ولو على النحو الكلي ، أي خصوصية ما ، بحيث تكون الخصوصية داخلة تحت
الطلب تبعا ، نظير تعلق الإرادة التبعية بالمقدمة وان لم يكن من ذلك. فالقائل
بتعلق الاحكام بالافراد يدعى السراية والتبعية ، القائل بتعلق الاحكام بالطبايع
يدعى عدم السراية وان المأمور به هو الطبيعة المعراة عن كل خصوصية ، أي الساذجة
الغير الملحوظ معها خصوصية أصلا ، ولا يسرى الامر إلى الخصوصيات بوجه من الوجوه.
فلو كان النزاع في تعلق الاحكام بالطبايع أو الافراد على هذا الوجه ، فالحق ان
مسألة اجتماع الأمر والنهي تبتنى على ذلك ، وتكون من مقدمات المسألة ، فإنه بعد ما
عرفت : من أن كلا من متعلق الأمر والنهي يجرى بالنسبة إلى الآخر مجرى المشخص ، لو
قيل بتعلق الاحكام بالافراد بالمعنى المتقدم من سراية الامر إلى الخصوصية ولو تبعا
، فلا مجال للنزاع في جواز الاجتماع ، لأنه يلزم ان يتعلق الامر بعين ما تعلق به
النهى ولو بالتبعية ، فيمتنع الاجتماع ، ولو قلنا بتعلق الاحكام بالطبايع ، من دون
ان يسرى الامر إلى الخصوصيات كان للنزاع مجال ، من جهة وجود المتعلقين بتأثير
واحد. فظهر : ان منع ابتناء المسألة على تلك المسألة باطلاقه لا يستقيم.