و نقول: إن ظاهر الاخبار المذكورة في صدر المبحث كونها من القواعد المقررة للشاك، نعم ما يوهم- كونها معتبرة من باب الطريقية- تعليل الحكم في بعض الاخبار بكونه حين العمل اذكر، مثل رواية بكير بن أعين (في الرّجل يشك بعد ما يتوضأ، قال (عليه السلام) هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك)، فان الظاهر منه أن الوجه في إلغاء الشك وقوع المشكوك فيه في محل بموجب العادة و الغلبة.
و فيه منع، إذ فرق واضح بين جعل الظن الحاصل من العادة معتبرا، كما هو مفاد الطريق، أو كونها علة لتشريع الحكم للشاك، و لا يستفاد من الخبر الأول، فيبقى ظهور الاخبار السابقة من كون هذا الحكم من الأحكام المقررة للشاك بحاله، فليتدبر.
المقام السادس
قد يتراءى في بادئ النّظر لزوم التهافت في الاخبار السابقة، إذ لفظ الشيء كما أنه يصدق على جزء المركب كذلك يصدق على مجموعه، فحينئذ لو شك في جزء من المركب بعد الفراغ منه، فذلك الجزء مشكوك فيه، و مجموع المركب أيضا مشكوك فيه، إذ الشك في الجزء يستلزم الشك في الكل، فهاهنا فردان من الشك: أحدهما الشك في الجزء، و الآخر الشك في الكل، و الأول داخل في الشك في الشيء بعد تجاوز محله، و الثاني داخل في الشك في الشيء قبل تجاوز محله، و بالاعتبار الثاني يجب الاعتناء به دون الأول.
و الجواب ان الظاهر من الشك في الشيء هو ان يكون الشك متعلقا به ابتداء (124) لا ان يكون مشكوكا بواسطة امر آخر، و ما يشك فيه ابتداء (124) هذا الجواب غير صحيح على مبناه- دام بقاؤه- لأن المشكوك عنده نفس الجزء أو القيد في قاعدة الفراغ أيضا، لا مجموع المركب، كما صرح به في المقام