لعدم حصول الغرض الموجب للتكليف بالواقع على هذا الفرض. غاية الأمر كون الامتثال لتلك التكاليف عذرا عن الواقع المتخلف عنه، و حد إمكان العذر عن الشيء كونه مشكوكا فيه، فإذا علم لا يمكن عقلا ان يكون معذورا فيه، لوجوب امتثال الحكم المعلوم و حرمة مخالفته. و لا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون مورد الأحكام الظاهرية الشبهات الموضوعية أو الحكمية (84).
و حاصل الكلام: أن الغرض الموجب للحكم حدوثا موجب له بقاء ما لم يحصل. و بعد ما فرضنا أن متعلقات الأحكام الظاهرية ليست مشتملة على مصالح، حتى يتوهم حصول تلك الأغراض الموجبة للتكليف بالواقعيات بإتيانها، و انما فائدتها تنجيز الواقعيات في مورد ثبوتها، و كونها عذرا عنها في صورة التخلف، فلا وجه لتوهم الاجزاء، لأنه ان كان المراد و اما عند الشك في ظواهر الأدلة فنحكم بالبراءة، الا فيما حكمنا فيه في السابق بالاشتغال لعين ما قلناه آنفا، نعم قد يقال: مقتضى إطلاق الأدلة الدالة على حجية الأمارة مع إمكان تحصيل العلم عدم تفويت الواقع بلا تدارك، لاستلزامه المحال.
و هو صحيح لو لا احتمال المصلحة في الجعل كما مرّ.
(84) و توهم الفرق بإمكان تقييد الأحكام الواقعية بالعلم في الأول بخلاف الثاني مندفع، بأن مجرّد إمكان التقييد في الأول في مرحلة الثبوت غير موجب للحكم به في مرحلة الإثبات، مع أن لسان الأدلة فيهما واحد «فكل شيء مطلق» و «كل شيء حلال» يرخّص ترك الواقعيات في الشبهات الحكمية و الموضوعية على نسق واحد، و جعل الحكم في بعض أفراده واقعيا و في بعضها ظاهريا كما ترى، و كذا أدلة الأمارات و الطرق، و لو فرض اختصاص دليل بالشبهات الموضوعية فيدور الأمر بين تقييد كل من دليلي الحكمين بالعلم و الجعل، و بين الجمع بينهما بجعل أحدهما واقعيا و الثاني ظاهريا من دون تقييد لأحدهما، و معلوم أن الجمع أولى.