البداهة دون الجبلّة، و ما هو فطري عرفي يناسب الطبع و الجبلّة دون البداهة، فتدبّر.
فالذي يمكن أن يقال مع قطع النّظر عن الأدلة هو أنّ العقل- بعد ملاحظة ثبوت المبدأ و إرسال الرسول و تشريع الشريعة و عدم كون العبد مهملا- يذعن بأنّ عدم التعرض لامتثال أوامر المولى و نواهيه خروج عن زيّ الرقّية و رسم العبودية، و هو ظلم، فيستحق به الذم و العقاب من قبل المولى. ثم إنّ كيفية امتثال أحكام المولى إمّا بتحصيل العلم بها كي يتمكّن من الامتثال العلمي بالسماع من المعصوم أو بنحو آخر، و إمّا بإتيان المحتملات الموجب للقطع بامتثالها، و مع التنزل- لعدم التمكن من تحصيل العلم بها، أو بامتثالها لمكان العسر و الحرج، أو عدم معرفة طريق الاحتياط- يذعن العقل بنصب طريق آخر في مقام فهم الأحكام و كيفية امتثالها، لئلا تلزم اللغوية و نقض الغرض من بقاء الأحكام و عدم نصب الطريق إليها، و هو منحصر في أمرين: إمّا الاجتهاد و هو تحصيل الحجة على الحكم، أو الاستناد إلى من له الحجة على الحكم و هو التقليد، بل لو احتمل حينئذ لزوم العمل بظنّه كان المتعين عقلا هو التقليد، لاحتمال تعيّنه حتى قيل إنّه من ضروريات الدين أو المذهب دون تعيّن الظنّ، فلا يقين ببراءة الذّمّة إلا بالتقليد.
و أمّا المقام الثاني: فما ينبغي التمسك به من الآيات آية النفر و آية السؤال [1]، لدلالتهما على دخل الفقه و العلم في وجوب التحذر و القبول، فهما على حجية الفتوى أدلّ منهما على حجية الرواية. و قد بيّنا في محله أنّ إطلاق وجوب الإنذار بما تفقّه فيه يقتضي حجية الإنذار بدلالة الاقتضاء، و قلنا إنّ ظاهر الآية وجوب التحذر بما أنذروا به لا بالعلم بما أنذروا به، و ذكرنا أنّ
[1] سورة التوبة: الآية 122، سورة النحل: الآية 43، سورة الأنبياء: الآية 7.