في الزّبدة و ذكروا مباحث الألفاظ في القسم الأوّل و ما عرفت من المسائل و
غيرها في القسم الثّاني و مسائل حجّيّة الأدلّة كحجّيّة الكتابو الأخبار و
الإجماع و نقله من المبادي التّصديقيّة من حيث كون العنوان مأخوذا في
موضوعيّة الأدلّة فإن رجع البحث في مسائلالحجّيّة إلى البحث عن وجود ذات
الدّليل كما هو الشّأن بالنّسبة إلى بعضها فرجوعه إلى البحث عن المبادي
أوضح من أن يحتاج إلى البيان و إنرجع إلى البحث عن حجيّتها و دليليّتها
بعد الفراغ عن وجود ذاته فلا إشكال في دخولها في المبادي أيضا بعد الفرض
المزبور و إنتكلّف شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس سره في إدراج جملة منها في
المسائل من حيث إرجاع البحث فيها إلى البحث عن ثبوت ما هو المفروغ عن
حجّيّةكمسألة حجّيّة أخبار الآحاد و نقل الإجماع و نحوهما على ما عرفت من
كلامه في الجزء الأوّل من الكتاب في بيان معنى التّعارض و ما هو المراد منه في المسألة
إذا عرفت ذلك فنقول
التّعارض في الأصل تفاعل من العرض و يطلق على المعنى الاسمي و هو أحد
الأبعاد الثّلاثة و المعنى الوصفي أي الظّهور و الغلبة كما فيالقاموس قال
عرض له كذا يعرض ظهر عليه و قال في مادّة ظهر ظهر عليه غلبه و المقابلة كما
عن المجمع و المنع كما عن غيرهما و الورودكما ذكره بعض مع المعنى الأوّل و
يمكن إرجاع بعض المعاني الوصفيّة إلى بعضها الآخر كما ذكره الأستاذ
العلاّمة قدس سره في مجلس البحث والمذاكرة و أمّا المعنى الاسمي فلا يمكن
إرجاعه إلى المعنى الوصفي فلا بدّ أن يكون اللّفظ مشتركا بينهما إن لم يكن
مجازا في المعنى الاسمي و هذالا يختصّ بالمقام فإنّ جملة من الألفاظ يطلق
على العين و المعنى كألفاظ الزّكاة و الهبة و الرّهن و الوقف و نحوها ثمّ
إنّ لفظ العرضيستعمل متعدّيا و لازما ككثير من الألفاظ على ما يشهد له
موارد استعماله في الكتاب و العرف كقوله تعالى إنّا عرضنا الأمانة على
السماواتو الأرض الآية و قوله تعالى ثمّ عرضهم على الملائكة الآية و عرضت
النّاقة على الحوض إلى غير ذلك و لا بدّ أن يكون المبدأ المشتقّ منه
الفعلالمتعدّي غير ما يشتقّ منه اللاّزم و يكونان مختلفين بحسب المعنى كما
هو ظاهر هذا بالنّسبة إلى المجرّد و أمّا المزيد من هذه المادّة
كالتّفاعلو الإفعال فلم يستعمل إلاّ لازما كما قيل و من هنا يستعمل باب
الإفعال مع كلمة عن فيقال أعرض عنه هذا كلّه بحسب اللّغة و أمّا في
العرفالعام فلم يعهد له معنى يغاير اللّغة و أمّا في العرف الخاصّ فظاهر
غير واحد و صريح آخرين كونه منقولا منه في خصوص التّفاعل إلى ما ذكروهفي
بيانه بالوضع التّعييني أو التّعيّني كما يظهر ممّا أفاده شيخنا الأستاذ
العلاّمة قدس سره على ما يشهد له قولهم بعد ذكر المعنى اللّغوي و
فيالاصطلاح كذا سواء جعل توصيف الدّليلين بالتّعارض و حمله عليهما توصيفا و
حملا أوّليا و إن كان المدلول ملحوظا أو جعل توصيفاثانويّا من حيث كون
الوصف قائما بالمدلول و المقتضي أوّلا و بالذّات كما يظهر من تعريف جماعة
فتعارض الدّليلين تنافي مدلوليهما أومقتضاهما و إن كان الظّاهر على ما صرّح
به شيخنا قدس سره في مجلس البحث عدم اتّصاف المدلول به عندهم و كون هذا
التّعريف مبنيّا علىالإشارة إلى كون تنافي الدّليلين إنّما هو باعتبار
مدلوليهما كما أنّ حمل عنوان الدّليليّة على الدّليل إنّما هو باعتبار كونه
معرّفا إلى المدلولفيتّحد المراد من التّعريفين و يرتفع الاختلاف من
البين على ما هو الظّاهر من كلام شيخنا قدس سره في الكتاب أيضا و من هنا
قال بعد تعريفالتّعارض بتنافي الدّليلين و لذا ذكروا أنّ التّعارض تنافي
مدلولي الدّليلين هذا و لكن يمكن أن يقال بعدم ثبوت اصطلاح لهم فيالمقام
أصلا و أنّ تعريف تعارض الدّليلين بما ذكروه إنّما هو من جهة اقتضاء إضافته
إليهما مع بقائه على المعنى اللّغوي و العرفي فإنّحمل التّقابل و
التّمانع على الدّليلين ينتج إرادة تنافيهما فلا حاجة إلى الالتزام بالنّقل
كما أنّ إرادة التّنافي و ذكره يعني عن ذكر قولهم علىوجه التّناقض أو
التّضاد إذ التّنافي لا يتحقّق إلاّ بأحد الوجهين اللّهمّ إلاّ أن يكون
المراد من ذكره مجرّد التّوضيح لا الاحتراز و هذاهو الأظهر ثمّ
إنّ الوجه في تنافي الضّدين و استحالة اجتماعهما لمّا كان من جهة أول
اجتماعهما إلى اجتماع النّقيضين حقيقة فيصحّ منجهته القول باشتراط الوحدات
الثّمانية الرّاجعة إلى وحدة الموضوع و لو بالعنوان التّقييدي في استحالة
اجتماع الضّدين أيضا وإن كان القول باشتراط وحدة المحمول بالنّسبة إلى
اجتماع الضّدّين بظاهره ظاهر الفساد ضرورة تغاير المحمول في اجتماع الضّدين
فتنافيوجوب الشّيء و حرمته مع كونهما محمولين من جهة أنّ وجوبه يقتضي
عدم حرمتهكما أنّ حرمته يقتضي عدم وجوبه فاجتماعهما يقتضي اجتماع كلّ من
الوجوب و الحرمة مع عدمه كما أنّ اجتماعالسّواد و البياض يقتضي اجتماع كلّ
منهما مع عدمه و هذا الّذي ذكرنا و إن كان أمرا واضحا إلاّ أنّ التباس
الأمر على بعض المعاصرين دعاناإلى التّنبيه عليه و ليكن في ذكر منك لعلّه
ينفعك في بعض ما سيتلى عليك و ممّا ذكرنا كلّه يظهر استقامة ما أفاده قدس
سره في الكتاببقوله و كيف كان فلا يتحقّق إلاّ بعد اتّحاد الموضوع و إلاّ
لم يمتنع اجتماعهما ضرورة اقتضاء التّنافي بأحد الوجهين امتناع
اجتماعالمتنافيين الّذي لا يتحقّق إلاّ بعد اتّحاد الموضوع الجامع للوحدات
ثمّ
إنّ المراد من المدلول كما هو ظاهر و صرّح به غير واحد