بعد خروج الوقت فلا شبهة في عدم جريان الاستصحاب لانتفاء الموقّت بانتفاء
وقته فلا مورد للاستصحاب و إن وقع في الوقتفكذلك لأنّ الطلب بضميمة حكم
العقل بوجوب تحصيل اليقين بالفراغ علّة تامّة للحكم بوجوب الإتيان عند
الشّك في أثناء الوقتفلا مورد للاستصحاب لا أنّه لا يحتاج إليه حسب ما قد
يتوهّم هذا بالنّسبة إلى الموسّع و أمّا بالنّسبة إلى المضيّق فالأمر أوضح
فإنكان الطّلب للمرّة فورا أو متراخيا أو كان لطلب الطّبيعة فما لم يعلم
الامتثال يحكم العقل من جهة وجوب دفع الضّرر المحتمل بوجوبالإتيان فوجوب
الإتيان إنّما هو بمقتضى العقل لا بمقتضى الاستصحاب على ما عرفته عن قريب و
إن كان للتّكرار فلا ريب أنّ وجوب الإتيانفي كلّ زمان إنّما هو من جهة
دلالة الأمر بحسب اللّفظ و لا دخل له بالاستصحاب أصلا و إن كان الحكم
الوضعي مطلقا فتأثيره بالنّسبةإلى كلّ زمان على حدّ سواء فالتّأثير مستند
إليه ليس إلاّ و إن كان اقتضاؤه مقيّدا فبالنّسبة إلى المقيّد كالأوّل و
بالنّسبة إلى ماانتفى عنه القيد لا معنى للثّبوت أصلا كما لا يخفى فتبيّن
ممّا ذكرنا كلّه أنّه لا يقع الشّك في الحكم التّكليفي من حيث هو هو مع
قطعالنّظر عن تسبّبه عن الشّك في الحكم الوضعي بالمعنى الّذي ذكره و لا في
الحكم الوضعي بالمعنى المعروف و هو المراد بقوله فإذا جعلالشّارع إلى
آخره فالمراد من الحكم الوضعي الّذي قال بعدم اعتبار الاستصحاب فيه هو
الوضعي بالمعنى المعروف و الّذي أثبته فيه هو الحكمالوضعي الّذي جرى
اصطلاحه عليه فلا يكون بين كلماته تناقض حسب ما ربما يسبق منها في بادي
النّظر إلاّ أنّه قد يأبى عنه قولهأخيرا و كذلك الشّرط و المانع فتأمّل نعم
قد يتصوّر الشّك في الحكم التّكليفي بسبب الشّك في الحكم الوضعي فلا بدّ
أنيجري الاستصحاب بالنّسبة إلى الحكم الوضعي على ما عرفت تحقيقه سابقا و
ستعرف إن شاء اللّه فلمّا لم يكن الشّك الّذي ينفع في بابالاستصحاب إلاّ
فيما ذكره من الأحكام الوضعيّة الرّاجعة إلى الموضوعات الخارجيّة ضرورة أنّ
وجود موضوع في زمان لا يلازموجوده في زمان آخر خصّ مورد الإخبار به نعم
لو لم يرد إخبار بعدم جواز نقض اليقين بالشّك لما عمل بالاستصحاب فيها
أيضاهذا محصّل كلامه و ملخّص مرامه و قد عرفت من كلامه صريحا أنّ مراده من
الحكم الوضعي الّذي يجري الاستصحاب فيه غير الحكم بالمعنىالمعروف بل قد
عرفت مسامحته في الحكم التّكليفي أيضا فما يظهر من جماعة من فضلاء الأصحاب
من نسبة التّفصيل بين الحكم التّكليفيو الوضعي بالمعنى المعروف إليه حسب
ما يفصح عنه كلماتهم لا يخفى ما فيه قوله
أوّلا و المضايقة إلخ(1) أقول
لا يخفى عليك أنّ الظّاهرمن هذا الكلام ميله إلى القول بالجعل بالنّسبة
إلى الحكم الوضعي ثمّ إنّ الوجه في عدم قدح المضايقة المذكورة إن كان من
جهة ذهابه إلىجريان الاستصحاب في الحكم الوضعي بالمعنى المعروف على القول
بكونه اعتباريّا لتوجّه عليه ما أفاده الأستاذ العلاّمة من عدم
جريانالاستصحاب فيه على القول المذكور و إن كان من جهة أنّ المضايقة
المذكورة لا تعلّق لها بما ذهب إليه من التّفصيل بالنّسبة إلى موردالأحكام
الوضعيّة و إنّما تمنع من التّفصيل في الحكم الوضعي بالمعنى المعروف لم
يتوجّه عليه ما أفاده فتدبّر الحكم الوضعي حكم مستقل أو مرجعه إلى تاحكم التكليفي
في تمهيد أمور لعدم تعلّق الجعل بالأحكام الوضعيّة
قوله
و حيث انجرّ الكلام إلى هناإلخ(2) أقول
توضيح القول في المقام بحيث يرفع به غواشي الأوهام و الغبار عن وجه المرام يتوقّف على ذكر أمور الأوّل
أنّه قد تقرّرفي محلّه أنّ الموجود على ثلاثة أقسام الموجود الذّهني
كالمفاهيم و الموجود الخارجي و الموجود الاعتباري و أمّا التّقرر الماهيّتي
حسب ما قضت به كلماتهممن أنّ للماهيّات تقرّرا في حيالها فليس من الوجود
في شيء إذ المقصود بالتّقرر في كلماتهم غير الوجود الذّهني كما لا يخفى
على من راجع إليها و المرادمن الأوّل و الثّاني ظاهر لأنّ المقصود من
الأوّل ما يكون ظرف تحقّقه و وجوده الذّهن و من الثّاني ما يكون ظرف وجوده
الخارجو لكلّ منهما تأصّل بحسب تحققه و أمّا المراد بالثّالث فهو ما يكون
الخارج ظرفا لوجود منشإ اعتباره و انتزاعه و لا يكون ظرفا لوجود نفسهبل
إنّما وجوده بالاعتبار و قد اختلفت كلمتهم في هذا القسم فبعضهم على أنّه من
المعدوم و بعضهم على أنّه من الموجود و بعضهم علىأنّه واسطة بين الموجود و
المعدوم و يكون نزاعهم مبنيّا على أنّ الوجود هل هو منحصر في الذّهني و
الخارجي أو يشملهما و الاعتباري و لسنافي المقام في صدد تحقيقه لخروجه عن
الفنّ و لكن الّذي عليه أكثر المحقّقين أنّ الأمور الاعتباريّة لها حظّ من
الوجوه ثمّ
إنّ الموجودالخارجي على قسمين أحدهما ما إذا وجد وجد لا في موضوع و يعبّر
عنه بالجوهر و الذّات ثانيهما ما إذا وجد وجد في موضوع و يعبّر عنه
بالعرضو هو تارة يكون من الأفعال و أخرى من الأوصاف و ثالثة من غيرهما ثمّ
إنّ هذا التّقسيم بالنّسبة إلى غير ذات الباري تعالى شأنه والغرض من ذكر
هذا الأمر هو التّنبيه على بيان حقيقة أقسام الموجود على الإجمال لكلّ يعلم
أنّ الموجود الاعتباري لا يمكن أن يصيرموجودا خارجيّا و إلاّ لزم انقلاب
الشّيء عمّا هو عليه و هو ممّا لا شبهة في استحالته الثّاني
أنّه لا شبهة و لا ريب أنّ الحكممن أقسام الإنشاء الّذي هو بمعنى إيجاد
ما لا يكون موجودا و لهذا لا صدق و لا كذب فيه لعدم واقعيّة له بالمعنى
المعتبر في