القول بتوقف ثبوت الحكم الظاهري في نفس الأمر على العلم بثبوته دوري كالقول
باشتراط ثبوت الحكم الواقعي على العلم به كما صرح به العلامةقدس سره في
غير موضع من كتبه حيث إن العلم متأخر عن المعلوم فكيف يتوقف المعلوم عليه و
من هنا ذكروا أن اشتراط التكاليف بالعلم ليس على حد اشتراطهابالبلوغ و
العقل و القدرة فإن المتوقف على العلم تنجز الخطابات الواقعية لا وجودها
النفس الأمري بل ربما نقول بعدم اشتراط التنجز بالعلم أيضافضلا عن الثبوت
النفس الأمري فإن الجاهل الملتفت إذا ترك الفحص تنجز عليه جميع الخطابات
الواقعية أصولا و فروعا و لو عرض له الغفلةبعد الالتفات و ترك الفحص في وجه تسمية الحكم الظاهري بالواقعي الثانوي و في الفرق بين الدليل و الأمارة
ثم
إن الحكم الظاهري كما يسمى ظاهريا بكونه معمولا به عند العجز عن تحصيل
الواقع يسمى واقعيا ثانويا أيضا أماالوجه في تسميته بالواقعي فلأن كل شيء
فرض له ثبوت فله واقعية في موضوعه فهو واقعي بهذا المعنى و أما توصيفه
بالثانوي فمن حيث تأخر موضوعهعن الواقعي بقول مطلق و الواقع الموصوف
بالأولي و إليه أشار بقوله رحمه الله و يطلق عليه الواقعي الثانوي أيضا إلى
آخره و يسمى الدال على الحكم الظاهريالغير الملحوظ فيه الكشف الظني عن
الواقع أصلا و الدال على الحكم الواقعي الكاشف عنه علما أو ظنا بحيث يكون
الكشف الظني ملحوظا في اعتبارهدليلا و قد يطلق على الكاشف الظني أمارة
أيضا و قد يختص الأمارة بما يكون معتبرا من حيث الكشف الظني في الموضوعات
الخارجيةفالاستصحاب إذا كان مبناه على الظن كما هو المشهور بين القدماء لا
يكون أصلا بالمعنى المذكور و كذا البراءة إذا كان مبناها على الظن كما يظهر
من الشيخ البهائي و الشيخحسن صاحب المعالم و غيرهما قدس الله أسرارهم كما
أن الأول قد يسمى بالدليل الفقاهتي من حيث كونه موجبا للعلم بالحكم
الظاهري و الثاني قديقيد بالاجتهادي من حيث كونه موجبا للعلم أو الظن
بالحكم الشرعي و هذان اصطلاحان على ما وقفنا عليه من الفاضل المازندراني في
شرحالزبدة و شايعه الأستاذ الأكمل الفريد البهبهاني في فوائده قال قدس
سره في محكي فوائده الجديدة في الفائدة الأخيرة ما هذا لفظه المجتهد و
الفقيهو المفتي و القاضي و حاكم الشرع المنصوب عبارة الآن عن شخص واحد
لأنه بالقياس إلى الأحكام الشرعية الواقعية يسمى مجتهدا لما عرفتمن انسداد
باب العلم و بالقياس إلى الأحكام الظاهرية يسمى فقيها لما عرفت من كونه
عالما بها على سبيل اليقين انتهى كلامه رفع مقامه و المستفادمنه كما ترى
كون الاجتهاد عنده عبارة عن استفراغ الوسع في تحصيل خصوص الظن بالحكم
الشرعي أو حصول ملكة ذلك فتحصيل العلم بالحكممن الدليل خارج عن حقيقة
الاجتهاد عنده و هذا و إن كان مذهب غير واحد بل مذهب جميع العامة و أكثر
الخاصة كما يظهر لمن راجع كلماتهم في بحثالاجتهاد إلا أن الحكم بخروج
تحصيل العلم بالحكم عن الاجتهاد مطلقا حتى في النظريات محل تأمل و كلام
مذكور في بابه و من هنا قال شيخنا قدس سرهو قد يقيد بالاجتهادي فقد جعل
مطلقة مقيدا به إلا أن يحمل على المهملة فيوافق ما في الفوائد و الذي
يقتضيه التحقيق في المقام أن الشخصمن حيث كونه مستنبطا للحكم يسمى مجتهدا و
إن كان الحكم المستنبط ظاهريا و من حيث كونه عالما بالحكم يسمى فقيها من
غير فرق بين كون المعلوم حكماظاهريا أو واقعيا و الخطب في ذلك سهل في بيان عدم لزوم مطابقة الحكم الظاهري للحكم الواقعي
ثم
إنه ظهر مما ذكرنا في بيان حقيقة الحكم الواقعي و الظاهري أن ثبوت الحكم
الظاهري فيموضوعه لا يعتبر فيه مطابقته للحكم الواقعي المتحقق في نفس
الأمر كيف و هو مستحيل عقلا كيف و اعتبار المطابقة يوجب ارتفاع
الحكمالظاهري و هو أمر ظاهر فالحكم الظاهري قد يطابق الحكم الواقعي و قد
يخالفه فعند الجهل بالحكم الواقعي يكون هناك حكمان باعتبار نفسالواقع من
حيث هو مجردا عن جميع الملاحظات و باعتبار الجهل بهذا الحكم الأولي فيمكن
أن يكون شيء حراما في الواقع و حلالا في الظاهر كمايمكن عكس ذلك فقد يكون
شيء حراما في الواقع و واجبا في الظاهر كعكسه فإذا يقع الإشكال في أنه كيف
يمكن اجتماع الحكمين المتنافيينفإن لحاظ التجريد عن العلم و الشك و الظن
في عروض الحكم الواقعي لا يوجب انتفاء الحكم الواقعي في صورة الشك مثلا لأن
المفروض عدمملاحظته لا ملاحظة عدمه و إلا كان ثبوته مشروطا بالعلم به و
هو مع كونه خلفا محالا محال من جهة لزوم الدور الظاهر على ما عرفت
الإشارةإليه في الجواب الأول عن التناقض
و أشكل من ذلك ما اتفقت عليه مقالتهم ظاهرا في مسألة امتناع اجتماع الأمر و
النهي من أن الممتنع على القول به هو اجتماع الفعليينمن الوجوب و التحريم
لا الفعلي و الشأني و من هنا حكموا بصحة صلاة الجاهل بموضوع الغصب في
الدار المغصوبة و اللباس المغصوب اتفاقابل الجاهل بالحكم و الحرمة مع
القصور بل ناسيهما إلا العلامة قدس سره في الناسي هذا و قد
يذب عن الإشكال المذكور في المقام بوجوه الأول
ما سبق إلى بعض الأوهام من كون الحكم الواقعي عبارة عن شأنية الحكم و ليس
حكما حقيقة فإن شئت قلت إن الموجود في حق الجاهل جهة الحكمو هي المصلحة و
المفسدة لا الإنشاء فلا ينافي تعلق الإنشاء بالجاهل على الخلاف لعدم اجتماع
الحكمين حقيقة و بمثل ذلك يقال في دفع الإشكالعما بنوا عليه الأمر في
مسألة اجتماع الأمر و النهي من عدم المضادة بين الفعلي و الواقعي و أنت
خبير بفساد هذا الوجه لأن الذي يتعلق به العلمتارة و الظن أخرى و الشك
ثالثة ليس الحكم بهذا المعنى و أيضا لم يؤمر السفراء بتبليغ هذا المعنى إلى
الخلق و كذلك ليس المعنى المذكور و مدلولالخطابات الواقعة الصادرة من
الشارع و بالجملة القول بالحكم الواقعي الثابت في حق جميع المكلفين
المختلفين بالعلم و الظن و الشك مجرد المصلحة