في فصوله في معنى الحكم الواقعي و الظاهري إلى غير ذلك مما فصلنا لك القول
فيه ثمة و لكن نعيد الكلام في تحقيق الحكم الواقعي و الظاهري و نجددهفيه
لما هو المقصود بالبحث في المقام و لعلنا نشير ضمنا إلى بعض ما طوينا ذكره
في الجزء الأول من التعليقة في تحقيق الحكم الظاهري و الواقعي
فنقول
أما الحكم الواقعي فالمراد بههو الحكم المجعول للموضوعات بالملاحظة
الأولية و بعبارة أخرى الحكم المجعول لها جعلا أوليا و بعبارة ثالثة هو
الحكم المجعول لها من دون ملاحظةالجهل بحكمها الأولي المجعول لها و إن لوحظ
في عروضه لها و تعلقه بها سائر الاعتبارات و الأوصاف كالحضر و السفر و
الصحة و المرض ووجدان الماء و فقدانه إلى غير ذلك فالأحكام الثابتة لذوي
الأعذار و الموضوعات الاضطرارية أحكام واقعية بل و إن لوحظت في عروضهلها
العلم بالموضوع أو الظن به أو الشك فيه بحيث لا يكون مع قطع النظر عن هذه
لها حكم بحيث يكون المجعول بملاحظتها مجعولا أوليا لها أوكان و لكن لم يكن
من سنخها أو و إن كان من سنخها بالنسبة إلى غير العلم على ما عرفت شرح
القول فيه في الجزء الأول من التعليقة و أما الحكم الظاهريفهو المجعول
للموضوعات من حيث الجهل و عدم العلم بالحكم المجعول لها أولا و بالذات سواء
لوحظ فيه الظن به شخصا أو نوعا أو الشك فيه بالمعنىالمقابل للظن و هو
التسوية كما هو الملحوظ في موارد التخيير و شكوك الصلاة في ركعاتها أو
أفعالها بالمعنى الأعم من الأقوال أو الشك بالمعنىاللغوي و هو خلاف اليقين
على ما في القاموس كما هو الملحوظ في الاستصحاب بناء على القول به من باب
الأخبار و على ما ستقف على تفصيلالقول فيه أو العنوان المنطبق على الشك
بالمعنى الأعم في الجملة كما هو الملحوظ في موارد وجوب الاحتياط عقلا و
شرعا و موارد البراءةالعقلية و الشرعية على ما ستقف عليه عن قريب من إناطة
الاحتياط باحتمال العقاب لا الشك و إناطة البراءة بعدم وصول البيان
الكافيمن الشرع و إن كان ظنا معتبرا بل أصلا من الأصول الشرعية كالاستصحاب
و إن كان في إناطتها بهذا المعنى كلام بالنسبة إلى البراءة الشرعيةأو منع
في الجملة و لو بالنسبة إلى الموضوعات الخارجية بدعوى كون المناط فيها هو
عدم العلم بالحكم الإلزامي فينطبق على الشك بالمعنى الأعم كمافي موارد
الاستصحاب و ستقف على ما هو المختار من المسلكين عن قريب فقد ظهر مما ذكرنا
أن الحكم الثابت بمقتضى الأدلة الظنية المعتبرة شرعاو الأمارات الشرعية
حكم ظاهري على مذهب أهل الصواب من المخطئة كما اتفقت عليه كلمة علماء
الإمامية بل يكون الأمر كذلك عند العامةأيضا بالنسبة إلى الأمارات القائمة
على الموضوعات الخارجية بل على الأحكام فيما كان الدال عليها ظواهر الكتاب و
السنة كما عرفت البحثفيه في الجزء الأول من التعليقة و لذا ذكروا أن
المستنتج من البرهان المعروف الذي يترتبه المجتهدون هو العلم بالحكم
الظاهري و وجهوا بهأخذ العلم بالحكم في تعريف الفقه في دفع الإيراد عليه
بكون أكثر مباديه ظنية بأن المراد بالحكم أعم من الظاهري و الواقعي فلا
ينافي أخذ العلمفي حد الفقه و إلى ذلك يشير قوله قدس سره بعد ذلك و لذا
اشتهر أن علم المجتهد بالحكم مستفاد من صغرى وجدانية و هي هذا ما ادعى إليه
ظني وكبرى برهانية و هي كلما أدى إليه ظني فهو حكم الله في حقي فإن الحكم
المعلوم منهما هو الحكم الظاهري فإن صريحه كون الحكم الظاهريأعم من مفاد
الأصول و إن كان ربما يوهم قوله قبل ذلك في بيان الفرق بين الأصل و الدليل
كون الحكم الظاهري مختصا بمفاد الأصلكظاهر ما يتراءى منه ذلك في باب
الاستصحاب و من هنا قيل إن للحكم الظاهري إطلاقين عنده أعم و أخص و لكن
المتأمل يشهد بأن مراده ليستخصيص مطلق الحكم الظاهري بمفاد الأصل بل تخصص
ما لا يلاحظ في تعلقه بالموضوع المجهول الحكم الكشف الظني عن الواقع و لكن
الأمر فيذلك سهل و أما إطلاق الحكم الظاهري على الفعلي المنجز سواء كان
واقعيا تنجز بالعلم أو ظاهريا بالمعنى الذي عرفته و الواقعي علىالثاني
الغير المنجز فلم نقف عليه إلا في كلام بعض الأفاضل مقاربي عصرنا في فصوله و
قد تقدم نقله في الجزء الأول من التعليقة في انقسام الحكم الظّاهري إلى الشأني و الفعلي
ثم
إن الحكم الواقعي بالمعنى الذي عرفت كما ينقسم إلى الشأني و الفعلي بالنظر
إلى حكم العقل بوجوب إطاعته و تنجزه على المكلف و ترتب الآثارعليه و حكمه
بكونه معذورا في مخالفته على تقدير ثبوته في نفس الأمر لا أن يكون هناك
إنشاءان و حكمان من الشارع أحدهما الحكم الشأنيثانيهما الفعلي كما قد
يتوهم أو توهم كذلك الحكم الظاهري ينقسم إلى الثاني و الفعلي فإن ثبوته في
موضوعه لا تعلق له بعلم المكلف بهفإذا علم المكلف به تنجز في حقه كوجوب
تصديق العادل مثلا فإنه ربما يكون هذا الحكم ثابتا و لا يعلم به المجتهد أو
وجوب تقليدالأعلم مثلا فإنه و ربما يكون ثابتا و لا يعلم به المجتهد و لا
العامي و لكن مجرد ثبوته النفس الأمري بل الفعلي لا يكفي في ترتب الآثار
عليه إلابعد الاستناد إليه في العمل فإذا فرض كون فعل حراما في الواقع فإذا
استند العامي في ارتكابه إلى رأي من يفتي بجوازه مع جواز تقليدهفي حقه
يكون معذورا و إلا فلا و لا ينافي ما ذكرنا من وجود القسمين للحكم الظاهري
ما اتفقت عليه كلمتهم من التصويب في الأحكام الظاهريةفي الجملة ألا ترى أن
الخبرين المتعارضين المتساويين من جميع الجهات إذا أخذ مجتهد بأحدهما و آخر
بالآخر يكون مفاد المأخوذ مع الاختلافحكما ظاهريا للآخذ و كذا في دوران
الأمر بين الحرمة و الوجوب مع تساوي الاحتمالين و هكذا و بالجملة ما ذكرنا
مما لا إشكال فيه لأن